سِمات امرأة
سِمات امرأة
كثير منا يتساءل: هل للمرأة الصالحة سِمات محددة؟ ربما ليست محددة؛ لم ينزل كتاب محدَّد من السيرة النبوية كمثال به سِمات مُحدَّدة، لكن حين نتأمَّل سِير القدوات النسائية في الإسلام، سنجد كثيرًا من السِّمات يشتركن فيها جعلتهن نموذجًا صالحًا قويًّا يُحتذى به، وخير نموذج يُقتدى به هي السيدة الرُّميصاء (رضي الله عنها)، فقد كانت صاحبة شخصية قوية ذكية، وصبورة ومثابرة وعاقلة، وصاحبة دين قوي وأمًّا عظيمة وزوجة طيبة، وبدا ذلك كله لنا من مسيرة حياتها، من بداية إسلامها ثم محاولاتها الذكية مع زوجها مالك في الدعوة، وتربيتها لأنس بتلقينه الشهادتين عن طريق اللعب، وحتى بعد وفاة مالك صبرت وعزمت على تربية أنس وحدها، حتى تقدم لخطبتها أبو طلحة، وأبدت عزيمتها على الزواج منه لو قدَّم مهرها إسلامه، وهذا يدل أيضًا على أنها امرأة صاحبة قرار ودين قوي، وصاحبة عقل واعٍ حين سألته -للتشكيك- عن مدى نفع آلهته تلك: “يا أبا طلحة ألست تعلم أن آلهتك التي تعبد خشبة نبتتْ من الأرض ونجرها حَبَشِيُّ بني فلان؟”.
أما عزيمتها الجادة وذكاؤها حين تركت أبو طلحة ينظر في أمره ويعود إليها إما ليُعلن إسلامه أو يرحل عنها، وحين عاد إليها قائلًا الشهادتين وسائلًا لها كيفية دخول الإسلام فأشارت عليه بالذهاب إلى رسول الله، فها هي أرشدته إلى الطريق وتريد أن ترى مدى صدقه، وبالفعل حضر بيعة العقبة مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكان من ضمن أوائل المسلمين من الأنصار قبل الهجرة وصار من قادتهم، وذلك حقًّا لصدقه ومثابرته وعون الرميصاء الصالحة.
وكان أبو طلحة معروفًا بأنه أحد فرسان يثرب ومن الرُّماة الجيدين وصاحب مال، وبالطبع أرضى أم سُليم في شخصيته وشكله وخُلقه وإلا ما كانت قالت له: “مثلك لا يُرد”، فهنا اجتمع فيها المرأة الذكية ذات الدين التي تسعى لبناء بيت أسري صالح وفقًا لاختيارها الدين أولًا في رجلها، ولم تتزوَّج فقط لأجل التكافل المادي والراحة، بل من أجل إعمار الأرض بدين الله.
الفكرة من كتاب الرُّميصاء في ظلال التربية النبوية
أعظم ما في التاريخ أنه يُخلِّد أفعال وأقوال الأشخاص ولا يترك أعمالهم تذهب هباءً، بل تظل قناديل نهتدي بها في المسير، وجاءت السيرة النبوية بشكل خاص لتكون هُدى نهتدي به في الحياة بعد القرآن الكريم، ولم تترك السيرة جانب المرأة الذي هو جانب بنَّاء لأمة بأكملها، فتجد المرأة أدوارها لا تُعدُّ ولا تُحصى، فهي زوجة وابنة وأم وأخت ومعلمة وغيرها، وكل أدوارها تبني وتعمر وتربي، المرأة فُطرت بفطرة عجيبة من الله (عز وجل) قادرة على القيام بالعديد من الأعمال في آنٍ واحدٍ دون كلل منها أو ملل، تهتم بالصغير وترعى الكبير وتطبخ وتنظف وتعمل وتتعلم دون شكوى أو إهمال، وأجلُّ القدوات التي نهتدي بها في طريقنا هنَّ نساء النبي والصحابة، فهُنَّ نوع فريد وخاص من النساء، فمنهن من قاتلت في سبيل الله ومن صبرت وعُذِّبت لله، ومن ربَّت أعظم الصحابة وهكذا، تعدَّدت أدوارهن لكنهن تميزن ببذلٍ وحبٍّ لله، وفي كتابنا هذا يعرض الكاتب قدوة من أعظم القدوات النسائية وكيف بذلت في سبيل الله كأم وزوجة وسيدة مسلمة، وضُرب بها المثل كقدوة صالحة وبُشرت بالجنة من النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب الرُّميصاء في ظلال التربية النبوية
الدكتور محمد حشمت: باحث وكاتب ومُحاضر، وباحث دكتوراه، وحاصل على ماجستير في العقيدة، وليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وله عدة مؤلفات: “نظرية الدين والتدين”، و”الفهم والوهم”، و”أضغاث أوهام”، و”قراءة في أفكار عبد الجواد ياسين”، و”كعب بن مالك في ظلال التربية النبوية”، و”الرميصاء ظلال التربية النبوية”، و”جابر بن عبد الله ظلال التربية النبوية”.