سَبقٌ آخر
سَبقٌ آخر
لم يكن العرب سباقين في البناء دون أن يكونوا سباقين إلى العلم والمعرفة، لم تكن المستشفيات هي نجمتهم الوحيدة التي تميَّزوا بها، وإنما جمعوا باب الطب من أطرافه علمًا وعملًا، فبرعوا في تخصُّصاته المختلفة وأنشؤوا تخصُّصات لم تكن موجودة ثم يأتي من ينكر جهودهم وينسبها إلى غيرهم من أبناء جلدتهم زورًا وتعصُّبًا أو ربما جهلًا!
برع العرب وبزغت نجومهم في الجراحة والتشريح والطب الباطني وطب العيون وابتكار التخدير والصيدلة، بل وصناعة المعدَّات الطبية، فهذا الرازي في كتابه الكتاب المنصوري الذي جمع فيه تأثير الأغذية والعقاقير والسموم والبيئة في الجسم قد أصبح مرجعًا بعد ترجمته باللاتينية، أما في التشريح فيبدو أن العرب لم يتركوا عضوًا من أعضاء الجسد إلا وفصَّلوا فيه تفصيلًا واضحًا شاملًا، فهذا ابن سينا في كتابه القانون يتحدث عن تشريح العظام والمفاصل والعضلات والأعصاب والشرايين، ولن ينسى الطب اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية الصغرى وإن تناسى ذلك ونسبها إلى وليم هارفي، أما أوروبا فقد أُجريت فيها أول عملية تشريح عام 1478، وذلك بعد وفاة ابن النفيس بمئتي عام كما يذكر الكتاب.
أما الجراحة فننقل هنا شهادة المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: “فهذا الفرع بالذات يدين للعرب بتقدمه وصعوده المفاجئ من مرتبة المهن الحقيرة الدنسة التي تكاد تكون بمنزلة مهنة الجلادين والجزارين إلى القمة التي عرفها على أيدي العرب، فإلى العرب وحدهم يعود رفع هذا الفن العظيم إلى المستوى الذي يستحقه، وإليهم وحدهم يرجع فضل بقاء هذا العلم…”، فقد عرف العرب جراحة إزالة الماء الأبيض من العين وتفتيت حصى الكلى والولادة وربط الشرايين والبتر، كما أنهم ابتكروا الخيوط الطبية من الحرير والصوف وأمعاء الحيوانات.
تعود فكرة التخدير إلى العرب أيضًا، فقد استعملوا النباتات كنبات ست الحسن والحشيش والأفيون بنسب معينة، كما استعملوا القماش المنقوع والمراهم المخدرة، وبرع العرب في مجال طب العيون نظرًا إلى طبيعة البيئة التي كانوا يعيشون فيها، فكتبوا في التشريح والأمراض والعلاج والجراحة ولمعت أسماء كحنين بن إسحاق، والرازي، وبالطبع ابن الهيثم.
الفكرة من كتاب هكذا كانوا يوم كنا
يوصلنا الجهل أحيانًا إلى أن نعظِّم ما هو حقير، وأن نحقر ما هو عظيم، إلى أن نستهين بالحق ونعلي من الباطل، وإلى أن نطلق أحكامًا في الهواء لا أساس لها ولا برهان، فالعلم يضبط الموازين ويريك الصور على حقيقتها ويربط الأسباب بالنتائج والماضي بالحديث، ويريك التدرُّج التاريخي، ويطلعك على السنن الإلهية لتعرف أين كانوا وأين كنا!
مؤلف كتاب هكذا كانوا يوم كنا
حسان شمسي باشا: طبيب سوري من مواليد حمص عام 1951م، وكان من الخمسة الأوائل في كلية الطب، حصل على شهادة الدراسات العليا في الأمراض الباطنية من جامعة دمشق عام 1978، كما نال درجة الشرف الأولى في الرسالة التي أعدَّها بعنوان “اعتلال العضلة القلبية”.
سافر بعدها إلى بريطانيا للتخصُّص حيث مكث في لندن ومانشستر وبرستون زهاء عشر سنوات، تخصَّص خلالها بأمراض القلب، وعمل زميلًا باحثًا في أمراض القلب في مشافي جامعة مانشستر لمدة ثلاث سنوات، ثم ذهب إلى المملكة العربية السعودية عام 1988 ليعمل استشاريًّا لأمراض القلب في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة، ومن مؤلفاته:
الأسودان: التمر والماء.
قلبك بين الصحة والمرض.
الوقاية من أمراض شرايين القلب التاجية.