سيدة القطط
سيدة القطط
كانت “السيدة ن” متيمة بتربية القطط، محبة للحياة وتكوين الصداقات، وساعدها على ذلك حسها الفكاهي العالي، وقد قابلتها أزرا عام ٢٠٠٨م، بعد معاناتها من فقر الدم الحاد لعقدين كاملين، خضعت “السيدة ن” للعلاج باستخدام ريفليميد، واستمرت حالتها في التحسن لفترة، حتى توقف جسدها عن الاستجابة للعلاج، مما استدعى الاعتماد على عمليات نقل الدم المتكررة والعلاج الكيميائي، واستمر هذا النهج من العلاج خمسة أشهر بلا أي فائدة، وألحق الضرر بها، فأصبحت أنشطتها اليومية البسيطة تستهلك طاقتها كاملة، فتوقفت عن تلقي العلاج، وفي إحدى المرات دخلت “السيدة ن” المستشفى، وشُخصت إصابتها بعدوى بكتيرية حادة، واستمرت حالتها في التدهور، بينت الفحوصات لاحقًا إصابتها باللوكيميا، فأصبح خيارها الوحيد هو العلاج الكيميائي المدمر لخلايا جسدها السليمة المتبقية، وهو ما قد يقتلها لأنها تحتاج إلى مناعتها لقتال العدوى البكتيرية.
مشكلة “السيدة ن” ومعظم مرضى السرطان أنه لا يوجد علاج نهائي إذا لم يكن السرطان على هيئة ورم يمكن استئصاله جراحيًّا، وأقرب ما نملك للعلاج النهائي هو عملية زرع النخاع التي تحمل مخاطر عدة تصل إلى الوفاة، كما أن “السيدة ن” لم تكن مؤهلة لتحمل عملية الزرع بسبب سنها وقصور قلبها ورئتيها.
تضعنا الحالات مثل حالة “السيدة ن” في معضلة صعبة، فلا يمكن علاج سرطان الدم بالعلاج الكيميائي التقليدي بسبب العدوى البكتيرية، وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل السرطان، وفي هذه اللحظات شعرت أزرا بالغضب الشديد نتيجة عجزها عن مساعدة “السيدة ن” والمرضى مثلها.
الاستراتيجية المتبعة حاليًّا، لعلاج مرضى السرطان مثل “السيدة ن”، لم تتغير منذ خمسين عامًا، وهي دورات العلاج الكيميائي المكثفة المعروفة باسم بروتوكول ٣+٧، التي تهدف إلى إعادة بناء النخاع العظمي بشكل كامل، معرِّضةً المريض لأي عدوى من العالم الخارجي، بالإضافة إلى آثار العلاج الكيميائي الجانبية، التي تظهر في أعراض الجهاز الهضمي كالغثيان والتقيؤ، كما تُصيب المريض بالصلع نتيجة لتأثر بُصيلات الشعر، وتمتد دورة العلاج الكيميائي لمدة شهر كامل؛ من خمسة أيام إلى سبعة من العلاج الكيميائي، ثم من أسبوعين إلى أربعة أسابيع من الراحة، ثم يستكمل المريض الدورات، ويستمر العلاج الكيميائي لفترة طويلة حتى بعد زوال المرض، وفي النهاية توفيت “السيدة ن”، وهي لم تبلغ المئة كما تمنت، فهل خذلنا “السيدة ن”؟
الفكرة من كتاب الخلية الأولى: والتكاليف البشرية لمكافحة السرطان حتى النهاية
لم تكتب أزرا هذا الكتاب خلال شبابها لافتقارها إلى الخبرة الحياتية، وعندما حصلت عليها تغيرت تصوراتها، فالمرض المميت الذي تعالجه علّمها إعادة النظر في مسلمات آمنت بها، علّمها الفرق بين عدم الشعور بالألم والشعور بالراحة، وعلى الرغم من أن القضايا العلمية ستكون عنصرًا أساسيًّا في محتوى الكتاب، فإن السبب الحقيقي الذي دفعها إلى كتابته هو مساعدة مرضى السرطان.
وافق المرضى على رواية قصصهم مع أسمائهم وصورهم الشخصية، أما عن دور أزرا في الكتاب فهو يحمل أبعادًا عدة، فهي طبيبة أورام وباحثة وزوجة ثم أرملة، تشكك في توصيات الخبراء واختيارات العائلات وحتى قراراتها الشخصية، وتطرح عدة تساؤلات، منها: هل قراراتنا مبنية على حقائق ثابتة؟ هل تفتقر الدراسات إلى الكفاءة؟ وإن لم نتمكن من توفير حياة أفضل للمرضى، فهل يمكننا ضمان نهاية أفضل؟ فعندما يتعلق الأمر بالمعاناة البشرية تندمج الدوافع العلمية والعاطفية والطبية والشعرية، فدعونا نسمح لأفكار الكتاب أن تكسر جمودنا.
مؤلف كتاب الخلية الأولى: والتكاليف البشرية لمكافحة السرطان حتى النهاية
أزرا رازا: طبيبة أورام وباحثة في مجال سرطان الدم، وهي مديرة مركز متلازمة “خلل التنسج النقوي | MDS” في جامعة كولومبيا، وساعدت أبحاثها في مجال سرطان الدم على الكشف عن عديد من ألغاز السرطان، ولها عدة أبحاث ومؤلفات منشورة، منها:
A Tribute to Ghalib: Twenty-One Ghazals Reinterpreted
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.