سياسة ترويض الإمارات المفتوحة
سياسة ترويض الإمارات المفتوحة
من المعلوم أن الإمارة التي تم قهرها تكون متحدة مع الفاتح في عرى الثقافة واللغة والدين وغيرها، فهذه تكون سهلة الانقياد والاستئناس خصوصًا إذا تم التخلُّص من أسرتها الحاكمة، أما إذا كانت الولاية المقهورة غريبة عن الفاتح فهنا يزداد الأمر صعوبة نتيجة بعض النفور الذي ينشأ، فليس في سياسة الأمم أصعب ولا أخطر من تبديل الشؤون القديمة بغيرها.
وهذا مما يستدعي انتقال الحاكم المتغلِّب للإقامة في تلك الإمارة المقهورة حتى يقف بنفسه على ما يحاك من فتن ودسائس ويمثِّل في الوقت نفسه رادعًا لكل من تسوِّل له نفسه محاولة الانقلاب على حكمه فيتقي بقربه هذا ما يخشى حدوثه لو كان بعيدًا كما يسهل عليه التودُّد إلى الرعية وهو بينهم، لكن عليه أن يأخذ حذره فينشر بعضًا من جنده على هيئة ثكنات عسكرية مصغرة تضمن له السيطرة على الأمور وإحكام القبضة الحديدية فيستغني بها عن باقي جنود الجيش ليستفيد بهم في مهام أخرى.
كما ينبغي على الحاكم الفاتح لولاية جديدة أن يتملَّق أشرافهم ويسوَدهم خصوصًا إذا كان حاكمهم الأصلي ينكِّل بهم ولا يعرف لهم قدرهم، ولكن ليحذر من إكسابهم قوة أكثر مما ينبغي فإنهم متى استغنوا عنه انقلبوا عليه ونازعوه سلطانه وحكمه، لذا عليه أن يحكم أمره ويسوَدهم بما لا يُطغيهم أو يذكي أطماع السلطة عندهم وإلا صبَّ عليهم جام غضبه وانتقم منهم انتقامًا يجعلهم عاجزين عن الرد بمثله فيدينون له بالطاعة والولاء وبذلك يستشري الخنوع فيهم ويرضون بحكمه، كما يجب على الحاكم أن يستشرف مستقبله ويستبق أمره فلا يقنع وينتظر حتى تقع الكارثة، فعندها يكون مقيدًا وفرصه محدودة فليُعمِل فكره ويحسب لمستقبله ألف حساب، ولا يخبط خبط عشواء حتى لا تجرفه نوائب الزمان.
الفكرة من كتاب الأمير
“هذا السِّفر على وَجازته هو بحق إنجيل السياسة المعاصرة”.
تأتي أهمية كتاب الأمير من كونه أساسًا لفكر سياسي جديد، فهو يستقرئ طبائع الشعوب والحُكام وكيفية تكوُّن الممالك والإمارات، ويصف الطريق المعبَّد للسيطرة على الشعوب، كما يضع الحلول لما قد يعترض الأمير من عقبات في أثناء فرض حكمه على رعيِّته، وهذه هي سياسة الميكافيلية التي اشتهرت فيما بعد بمبدأ “الغاية تبرِّر الوسيلة”.
مؤلف كتاب الأمير
نيقولا مكيافيلي Niccolò Machiavelli: فيلسوف وسياسي إيطالي، وُلِدَ في فلورنسا عام ١٤٩٦م لأسرة نبيلة، لم يتلقَّ تعليمًا عاليًا ولكنه تثقَّف بقراءة الكتب الإغريقية والرومانية كما كان يفعل أبناء طبقته في ذلك العصر، عمِل بالسلك الدبلوماسي لجمهورية فلورنسا لأربعة عشر عامًا، ثم عُزِل وسُجِن ثم نُفيَ إلى الريف، وفي منفاه انعزل عن الحياة السياسية، تُوفِّي «مكيافيلِّي» بعدما داهمه المرض بعد أيام من عودته إلى فلورنسا عام ١٥٢٧م.
ويُعدُّ فكر «مكيافيلِّي» أحد أهم أعمدة عصر التنوير الأوروبي، وقد ترك ما يقارب الثلاثين كتابًا، ظل كتاب «الأمير» أشهرها على الإطلاق.