سياسة الأرض الفارغة
سياسة الأرض الفارغة
بالطبع لم يخل المشهد من الأساليب الدموية، فقد دمر اليهود 478 قرية من أصل 585، وارتكبوا 34 مجزرة منها دير ياسين، حينما استيقظ العالم يوم 8 أبريل 1948م على قتل 300 قروي على غرار جرائم النازية، وفى ذلك يقول مناحم بيغن في كتابه الثورة: “إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي، ولولا دير ياسين لما قامت إسرائيل”!
عمل اليهود على إقناع العالم والأجيال القادمة بأن أرض فلسطين لم تكن ملكًا لأحد، وأنهم وجدوها خالية من السكان، وبهذه النظرية يصبح العرب مغتصبين لحق غيرهم، ولتحقيق ذلك دُمرت قرى كاملة، منازلها وحدائقها، وحتى شواهد القبور سويت بالتراب، ويقال للزوار الذين يمرون بتلك القرى إن المنطقة كانت كلها صحراء.
ومن الغريب أن جيل اليهود الذي صنع تلك الشائعات صدقها، إذ تقول جولدا مائير: “ليس هناك من شعب فلسطيني، وليس الأمر كما لو أننا جئنا لنطردهم من ديارهم، إنهم لا وجود لهم”، ويقول مناحم أوسيشكين عضو الهيئة التنفيذية للوكالة اليهودية: “علينا باستمرار أن نجاهر بالمطالبة بأن تعود أرضنا إلى ملكيتنا، وإذا كان ثمة سكان آخرون فيها، فيجب ترحيلهم إلى مكان آخر، يجب أن نستولي على الأرض” وصرح الحاخام تسفي يهودا كوك وقال: “من الواضح والأكيد أنه لا مناطق عربية أو أراضي عربية، إنما أراضٍ إسرائيلية فقط، الإرث الدائم لأسلافنا، وإليها جاء الآخرون العرب وعليها بنوا من دون إذن منا وفي غيابنا” وقال الحاخام إبراهام شابير: “يجب تطهير الأرض من المسلمين الذين يريدون منازعتنا في أرض الميعاد، يجب أن نتخلص منهم كما يتم التخلص من الميكروبات والجراثيم” .
الفكرة من كتاب فلسطين وأكذوبة بيع الأرض
من المؤسف أن يقال عن الشعب الذي استمسك بأرضه حتى آخر رمق إنه باعها طواعية واستمتع بثمنها، ومن المؤسف أيضًا أن تسمى القضية “قضية فلسطين” لمحاولة إظهارها حربًا سياسية. أكاذيب عدة تفنن الاحتلال في ترويجها لوأد كل سبل التعاطف مع شعب فلسطين، باعتباره شعبًا معتديًا من البداية، فانتشرت شائعات من نوع “فلسطين أرض بلا شعب”، “الفلسطينيون خرجوا منها طوعًا”، “الحق التاريخي والطبيعي لليهود في فلسطين”، لتنشأ الضرورة للتدليل على حجة العرب ودعواهم كما يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي .
ولا شك أن خطر تلك الكذبات ليس في تصديق العالم وتوقفه عن مساندة القضية فقط، بل في خروج أجيال جديدة من أبناء الشعب المحتل تشربوا تلك المزاعم، ليس على أنها مزاعم بل على أنها حقائق مسلم بها، ليجلسوا على طاولة المفاوضات يطالبون بحل الدولتين!
هذا الكتاب الذي نُشر في 2004م، يصور الطرق الشائنة التي سقطت بها فلسطين، منذ كانت ولاية عثمانية حتى سقوطها في قبضة الاحتلال البريطاني الذي سلمها لشتات اليهود على طبق من فضة ليقيموا دولتهم، وأخيرًا سياسة الاحتلال التعسفية التي ما زال يمارسها إلى يومنا هذا من أجل السيطرة على باقي الأرض، ويقدم كذلك أدلة قوية على مزاعمه، ليس على ألسنة العرب ولا حتى المسلمين، بل على ألسنة الصهاينة أنفسهم الذين نشؤوا وتربوا في الأراضي المحتلة.
مؤلف كتاب فلسطين وأكذوبة بيع الأرض
عيسى القدومي: باحث وكاتب صحفي فلسطيني. حاصل على الدكتوراه في التاريخ والفكر الإسلامي عام 2012م. عضو جمعية الصحفيين الكويتية ورئيس تحرير مجلة بيت المقدس. له كتابات في الصراع العربي الصهيوني، والدراسات المتعلقة بالقدس والمسجد الأقصى.
ومن مؤلفاته:
مصطلحات يهودية احذروها.
المسجد الأقصى حقائق لا بد أن تعرف.
المسجد الأقصى الحقيقة والتاريخ.
تاريخ القدس بين تضليل اليهود وتضييع المسلمين.