سنوات الغرس
سنوات الغرس
بعد عام وبضعة أشهر من وصول الشيخ إلى المدينة المنورة وفد عليها الإمام عبدالحميد بن باديس، “أعلم علماء الشمال الأفريقي”، و” باني نهضة الجزائر بجميع فروعها” كما يصفه محمد البشير، وهو يكبره بعام وبضعة أشهر فقط وبيته في قسنطينة بالجزائر، أقام بن باديس في المدينة ثلاثة أشهر، وفي كل يوم بعد صلاة العشاء كان يجتمع مع محمد البشير في منزل الثاني حتى يحين الصبح، فيصليان ثم يفترقان إلى عشاء اليوم التالي، وهكذا من كل ليلة، وكانا في تلك الجلسات يتحدثان في كل الوسائل التي من شأنها أن تنهض بالجزائر، ووضعوا خططًا مفصلة لما لم يكن بعد سوى حلم ينسجونه في مخيلتهما، وكانت تلك الليالي من عام 1913 في المدينة المنورة هي الأساس الأول لجمعية العلماء المسلمين التي لم تصبح واقعًا إلا عام 1931.
وعاد الشيخ بن باديس إلى الجزائر على وعد من صديقه محمد البشير أن يلحق به، وبدأ بن باديس خطواته فور وصوله، ففتح الصفوف، وأقبل عليه طلاب العلم من كل مكان، وتخرج على يده من التلامذة مشاعل علم لمن حولهم، وبرز عدد كبير منهم كتابةً وخطابة، ولما عاد محمد البشير عام 1920 لحق بخطوات أخيه وبدأ بعقد الدروس المنظمة، واللقاءات الجماهيرية الحاشدة، وأسَّس مدرسة لتنشئة الشبان المميزين على الخطابة والكتابة وقيادة الجماهير، وكان يلتقي ابن باديس كل أسبوعين، فيراجعان خطواتهما، ويقيمان آثارهما، ويعدان الخطط، ويعملان حساب الحوادث، وظلا على هذا الحال عشر سنوات ما بين 1920 و1930، فخرَّجا آلاف التلامذة، وأصبح لهم مئات الآلاف من المؤمنين بهما وبفكرهما، المعتزين بدينهم وعروبتهم، الناقمين على المستعمر وبغيه.
الفكرة من كتاب من أنا؟ محمد البشير الإبراهيمي
سيرة محمد البشير إنما هي سيرة إمام وعالم ومناضل، حمل راية العلم والإصلاح لتحرير أمته، مما أسماهما الاستعمارين المادي والروحي، أما المادي فهو الاحتلال الفرنسي، وأما الروحي فهو الخرافات والبدع التي انتشرت على يد مشايخ الطرق، وتتناول هذه السيرة مراحل حياته منذ نشأته في الجزائر وتلقيه العلم، ثم انتقاله إلى المدينة المنورة وتدريسه بالمسجد النبوي، وبعدها إلى دمشق ومن ثم عودته، ودوره في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وموقفه من الاستعمار الفرنسي، ومن الثورة الجزائرية المجيدة.
وقد قام بجمعها وتحقيقها الدكتور رابح بن خوية من ثلاثة مقالات كتبها محمد البشير بنفسه لمناسبات مختلفة، وأضاف عددًا من أهم خطبه التي تبيِّن جزءًا من مواقفه في آخر حياته، مستعينًا في ذلك بكتاب “آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي” الذي كتبه ابن الشيخ الأصغر أحمد.
مؤلف كتاب من أنا؟ محمد البشير الإبراهيمي
محمد البشير الإبراهيمي، إمام ومفكر ومؤلف، ولغوي جزائري، ولد عام 1889، من أئمة الإصلاح إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر، أسَّس مع الإمام عبد الحميد بن باديس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر، وكان له دور في التمهيد للثورة الجزائرية ودعمها بلسانه وقلمه.
من مؤلفاته: “مقالات عيون البصائر”، و”بقايا فصيح العربية في اللهجة العامية بالجزائر”، و”أسرار الضمائر في العربية”، ورواية “كاهنة أوراس”، و”شعب الإيمان”، وملحمة “رجزية تبلغ ستة وثلاثين ألف بيت”.