سمات العقلية المتخلفة
سمات العقلية المتخلفة
يتذبذب الإنسان المتخلف ما بين الشعور الشديد بالعجز عن استيعاب العالم، وبين طغيان مشاعر السيطرة على الواقع من خلال الفهلوة والحذق، الذي يعتد به الناس كطريقة مفضلة للفهم، والإنسان في الدول المتخلفة مفتقر تمامًا إلى المنهجية في التفكير، وإن كان تحليل الظواهر عمقًا واتساعًا هو الشرط الأساسي للسيطرة على الواقع، وبمقدار عمق التحليل ترتقي الاستنتاجات، إلا أننا نجد أن الذهن المتخلف يعجز عن الذهاب بعيدًا في تحليله للأمور، لأنه لا يدرك أن لكل ظاهرة مستويات متعددة من العمق والاتساع، وأنها تبدو مختلفة تبعًا لكل مستوى.
ومن ناحية أخرى نجد أن الذهن المتخلف يميل إلى المواقف العاطفية في التعامل مع الظواهر الحياتية، أو إلى الجمود والقطيعة، فهو يعمل تبعًا لمبدأ “إما- أو” عاجزًا عن جمع الطرفين معًا، وبهذا المعنى فإن الذهن المتخلف يعاني قصور الفكر النقدي، إذ إنه متحيِّز بشكل تلقائي نظرًا إلى تدخل العوامل الانفعالية والعاطفية في آلية التفكير.
كما أنه قطعي في تحيُّزه، فإما أن يكون مع أو ضد أمر ما، ويبدو قصور الفكر النقدي من خلال العجز عن الجمع في سياق واحد بين الأوجه الموجبة والأوجه السالبة لمسألة ما، وإضافةً إلى قصور عمليات التحليل وقصور التفكير النقدي، يتسم الذهن المتخلف بانعدام المثابرة، فينطلق بحماس كبير ولكنه يفقد حماسه بالسرعة نفسها التي بدأ بها، لذلك تكاد الخطط بعيدة المدى مستحيلة، فهو يبحث عن النتائج الآنية وشبه السحرية.
ومن سماته البارزة أيضًا، انعدام الدقة والضبط في التصدِّي للواقع، حيث إن كل شيء عرضة للتهاون والتراخي والتساهل حتى الاستهتار، يمكن أن نلمح ذلك في مختلف أشكال الالتزام تجاه الآخرين: الالتزام بالواجبات، والالتزام بالمسؤوليات، والالتزام بالتعهُّدات التي قطعها الإنسان على نفسه، والالتزام بدقة المواعيد، وأخيرًا نجد أن الذهن المتخلف مصاب بقصور التفكير الجدلي الذي يجعل العقلية المتصلِّبة مفتقرة إلى المرونة وإلى بحث الأمور من جوانب متعددة ومنظورات ومستويات شمولية.
ولعل أوجه القصور هذه هي ما يجعل الذهن المتخلف انفعاليًّا عاجزًا عن التصدي العقلاني الموضوعي للمشكلات والأزمات الحياتية، يميل إلى الصراخ في النقاشات وتضخيم الأمور البسيطة.
الفكرة من كتاب التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور
كثيرة هي الكتابات التي تناولت قضية التخلُّف في الدول النامية! ولكنَّها تركَّزت بالأساس حول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثمَّ قدمت حلولًا ترتكز على الاقتصاد والصناعة بوصفها منطلقات لنجاح عملية التنمية والتحديث، وتجاهلت معظمها عن عمدٍ أو جهل الإنسان، بوصفه محورًا رئيسًا لعملية التنمية، فقدَّمت هذه الأطروحات حلولًا مستوردة وحاولوا توطينها في بيئة غير التي خُلِقت لها، ولهذا لم تنتج إلا مشاريع برَّاقة صورية لم تحقِّق تنمية حقيقية ولا تقدمًا ملموسًا.
وفي هذا الإطار يأتي هذا الكتاب ليتناول الإنسان المتخلف بوصفه موضوعًا رئيسًا، ويركز على نفسيته وظواهر حياته وتصرفاته ونظرته ومواقفه واستجاباته للحياة من حوله، ويرى الكاتب أن سيكولوجية التخلف من الناحية الإنسانية هي سيكولوجية الإنسان المقهور الذي تسيطر على حياته علاقات القهر والتسلُّط والاعتباطية، والتي يواجهها بالرضوخ تارة وبالتمرد تارة أخرى، ومن ثم يعمد الكاتب إلى تناول سمات هذا الإنسان وأبعاده شخصيته كما سنرى.
مؤلف كتاب التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور
مصطفى حجازي: مفكر وعالم نفس لبناني. حصل على دكتوراه في علم النفس من جامعة ليون بفرنسا، وعمل أستاذًا للصحة الذهنية بجامعة لبنان ثم الجامعة البحرينية.
من أبرز مؤلفاته: “حصار الثقافة: بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية” (1998)، و”الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية (2006)، و”الصحة النفسية: منظور دينامي تكاملي للنمو في البيت والمدرسة” 2006، و”علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية” 2010، و”إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي” 2011.