“سلت علي يد الخطوب سيوفها”.. ابن عباد إلى المنفى
“سلت علي يد الخطوب سيوفها”.. ابن عباد إلى المنفى
ذكرنا سابقًا توجس يوسف بن تاشفين وحذره من ملوك الطوائف قبل أن يصل إلى الجزيرة، ثم ضيقه مما رأى من طريقة حياتهم وترف عيشهم، وتضييقهم على رعيتهم، وقد عاد إلى الأندلس بعد الزلاقة. ولما رجع ألفونسو إلى الاعتداء مرة أخرى، لم تكن تلك المعركة صافية للمسلمين تمامًا، ولكن مسلمي الأندلس عدوه نصرًا، وحاول يوسف في تلك المرة نصيحة ملوك الأندلس، وحثهم على الرفق بالناس، فرأى فيه شيوخ الأندلس المثل الأنقى للملك المسلم، ولما عاد إلى المغرب لم يكن ينوي ترك هؤلاء الملوك وشأنهم، وكانت تأتيه أخبارهم من رجال الدين مصحوبة بدعوات الثورة عليهم، ولم تكن جماعات المزارعين والحرفيين راضية عنهم أيضًا، وكان كل هؤلاء يحدثون أنفسهم بقرب الأعداء ووجوب طاعة هؤلاء الأمراء، فلما رأوا يوسف والمرابطين رنت نفوسهم إلى حال آخر.
ربما فتنت الأندلس المرابطين، ولكن كانت عهود يوسف مع ملوكها تحظرها عليهم، وسنحت الفرصة عندما استقبل أمير غرناطة رسل ألفونسو مرة أخرى، وأفتى شيوخ المسلمين بعدم جدارة هؤلاء الملوك، ووجوب تنحيتهم، ووجه يوسف قادته لعزلهم، ربما ظن أمراء الطوائف في أول الأمر لما رأوا جيوش المرابطين تتجه نحو غرناطة، أن الأمر لا يشملهم جميعًا، لكن مع إعراض يوسف عنهم، وإخلافه وعوده معهم، تنبهوا إلى الخطر المحدق بهم، وبدؤوا في عقد تحالفات ضد المرابطين، ولم يجد بعضهم مفرًّا سوى ألفونسو، وكان المعتمد ممن التمسوا عونه، عندما بطشت جيوش المرابطين بمملكته، لم تصمد معظم مدن الأندلس عند وصول المرابطين، وبخاصة تلك الممالك التي كانت عامتها ناقمة على أميرها،
لكن إشبيلية وما تبعها من مملكة بني عباد، قاومت حصار المرابطين، ثم لم تصمد في وجههم طويلًا، وقد انتهكت جيوش المغرب قصور المعتمد، وأحكموا أسر أهل بيته جميعًا، ثم سقطت قرطبة ورندة، وقتل ولدا المعتمد فيهما، ومُثل بهما، وسيق المعتمد مع أهله إلى المنفى، مستدبرًا زمن العز، مستقبلًا أيام الهوان.
الفكرة من كتاب المعتمد بن عباد
اشتهر المعتمد بن عباد بين ملوك الطوائف بمغامراته في الأندلس، وطرائفه مع زوجته الرميكية، وكان واحدًا من ملوك العرب المعدودين الذين برعوا في الشعر، فكانت أتفه الحوادث والمناظر تثير نفسه، وتسعفه قريحته في كل مرة، حتى ليمكننا تتبع سيرته من خلال قصائده، فقد كانت مستودعًا لجميع آماله وأحزانه. عاش المعتمد في عصر حاوط دولته فيه العدو والصديق، وتقاذفته السياسة بينهما، يوالي أحدهما على الآخر، بحسب ما يقتضي الحال، حتى أهلكته هذه الطريقة، فكانت مأساته جديرة بختام أسرة الملوك الشعراء.
مؤلف كتاب المعتمد بن عباد
علي أدهم: أديب وباحث، وُلد بالإسكندرية عام 1897 م، وتوقفت دراسته عند شهادة البكالوريا، عمل في وزارة المعارف، ورأس مكتب وزيرها، طه حسين، كما عمل أيضًا في لجنة التأليف والترجمة والنشر، تنوعت مؤلفاته بين الدراسات الفلسفية والأدبية والتاريخية، ومن أهمها:
صقر قريش.
بين الفلسفة والأدب.
تلاقي الأكفاء.
الجمعيات السرية.