سلام لا يشبه السلام
سلام لا يشبه السلام
جرت تنشئة فئة الساباريم في ما يسمى الكيبوتسات التي نجحت في خلق جيل شديد العدوانية والقسوة، إذ يُحرم الطفل من والديه منذ ساعاته الأولى وتتناوب على رعايته مربيات من عضوات الكيبوتس، وعندما يبلغ ستة أشهر يصبح من حق والديه أخذه إلى غرفتهما لمدة ساعة واحدة يوميًّا ثم يعيدانه إلى مكان تجمع الأطفال، هذه التربية القاسية والتناوب على الرعاية لا تعلم الطفل سوى شيء واحد؛ أن يتوقف عن التعلق بأي أحد وعن بذل الحب لأي شخص، لذلك ينتشر السلوك العدواني بين أطفال الكيبوتسات، يمكن القول إن الكيبوتس يعمل على خلق أجيال مشوهة بكل المقاييس، لذلك تمسكت به إسرائيل لأنها رأت فيه نواة لخلق قادة إسرائيليين من نوع فريد، ترى هل يمكن لهؤلاء القادة إرساء السلام مع العرب وفق ما تروجه الدعاية الصهيونية؟
الإجابة بالطبع لا، لا يمكن أن تسعى الصهيونية إلى السلام وليس في مصلحتها أيضًا أن تعيش دائمًا في حرب، ما تفعله الصهيونية فعلًا هو الحفاظ على حالة من اللا حرب واللا سلم تُبقي التهديد العربي في حد متوازن وتضمن بها دائمًا وصف العربي بخطر ماحق، وبذلك تدفع الرأي العام الداخلي إلى تجاهل الاختلافات السياسية والدينية المتأصلة في الشارع الإسرائيلي التي قد يؤدي انفجارها إلى فشل التجربة الإسرائيلية برمتها، ويلخص تلك الحالة ما صرح به بن جوريون في قوله: “إن أسوأ مقلب يمكن أن يفاجئنا به العرب هو أن يوافقوا على عقد صلح معنا”.
إلا أن هذه السياسة فقدت قوتها في حادثتين مثيرتين، الأولى عام 1967م حين حققت إسرائيل انتصارًا مدويًا على الدول العربية مجتمعة، انتفت معه صورة التهديد العربي ومن ثم الشعور بالاضطهاد، فاختلت التركيبة السيكولوجية للمستوطن الإسرائيلي وكاد مَعين عدوانيته ينضب، غير أن القيادة الإسرائيلية نجحت في إعادة التوازن من خلال ترويج المقاطعة العربية التي يشنها العرب ضدهم ورفض التفاوض وعدم الاعتراف بإسرائيل من جهتهم، الحادثة الثانية كانت في عام 1973م حين زاد التهديد العربي على الحد المقبول وانهزم الجيش الذي لا يُقهر، لكن مع الأسف أسهم العرب أنفسهم تلك المرة في إعادة توازن النفس الإسرائيلية، بعدما تهافتوا على تسوية ضئيلة تملي إسرائيل معظم شروطها رغم كونهم الطرف المنتصر.
الفكرة من كتاب سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي: هكذا يفكرون.. هكذا يستعدون
يحكي الكتاب باختصار تاريخ الشخصية اليهودية من ثقافة الجيتو | Ghetto التي فرضت عليها العزلة عن باقي المجتمعات، ثم التمرد على تلك الثقافة والمحاولة الفاشلة للتماهي في المجتمع لتتمخض عن ظهور حركة الصهيونية.
سعت الحركة الصهيونية إلى إقناع اليهود أن العالم شرير وأن العزلة هي الحل الأمثل لحماية الشعب اليهودي المختار من براثنه، لذلك انتهجت سياسة تعسفية تجاه مواطنيها عمدت إلى إنشاء الكيبوتسات لعزل الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم لتتأكد أن القومية الإسرائيلية لن تحل محل القومية اليهودية، ومن ثم لن يسعى أي جيل يهودي إلى السلام.
مؤلف كتاب سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي: هكذا يفكرون.. هكذا يستعدون
أسامة عكنان: كاتب وباحث سياسي فلسطيني أردني، وُلد في مدينة نابلس عام 1970م، وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 2003م، ويعمل حاليًّا أستاذًا مساعدًا في قسم العلوم السياسية في جامعة مؤتة الأردنية، اشتهر بكتاباته النقدية للفكر الصهيوني والسياسة الإسرائيلية، وقد نشر عديدًا من الكتب والمقالات في هذا المجال، منها:
الفكر الصهيوني: جذوره وتطوره.
إسرائيل: القوة والضعف.