سعادة الحب وتعاسته
سعادة الحب وتعاسته
لماذا يسعد الحب البشر ويجعلهم أكثر فرحًا، ولماذا يُتعسهم ويغمرهم باليأس؟ فلا يوجد مثيل للفرحة التي تبعثها أشكال الحب العديدة كالعشق والصداقة التي هي أقل عاطفية من حالة الحب لكنها أكثر متانة وهدوءًا، فالحب هو ما يمنح الحياة معنى، ما يؤكد سذاجة رأي الفلاسفة بتحصيل السعادة بالاشتغال على النفس فقط.
وعجزت أساطير الحب الكبيرة منذ زمن بعيد تجاوز العلاقة إلى ما وراء الحياة، وأن تتطلَّع إلى الخلود، وتعتمد طرق معالجة هذه المسألة بالربط بينها وبين الموت، وتنشأ هاهنا دراما الحب، حيث يبدأ الوعد بالخلود فقط أن يحوِّل العشق إلى سعادة دائمة، ويأتي دائمًا مشهد الانفصال الذي لا يمكن منعه في عالم البشر الفانين؛ ليفسد السعادة.
فمن يريد أن يكذِّب عدم وجود حُب سعيد فلا بدَّ أن يضع أمله كله على لمِّ الشمل بعد الموت مع من يحب، أما بالنسبة إلى غير المؤمن فيعد هذا الأمر سرابًا، فالخوف من الموت يدفع الجميع خفية للتسلية وللاستهلاك المستمر، وللملذات المصطنعة، وعلى الرغم من ذلك فهذه النزعة الاستهلاكية هي التي تقرب الجميع بطريقة غير مباشرة إلى الموت لأنها تغمسهم في الإدمان، فالمدمن هو الشخص الذي لا يكتفي بأن يتجاوز حدًّا معيّنًا، بل يزيد جرعات ما يتعاطاه، وهذا الركض وراء السعادة المصطنعة يمنع بلوغ حالة من الصفاء الحقيقي لأن هذا الركض لا يسمح بالعيش في لحظات الحاضر، ومن بلوغ الحكمة، حيث يتطلَّب تحقيق الطمأنينة انتصارًا على الماضي والمستقبل، حيث تشبه حياة المدمن على الملذات المصطنعة برميلا لا قاع له، فلا يمكن إشباعه أبدًا ولا يرضى.
وهناك نوعان من الحب: حبّ الذات دون أيّ اعتبار للرّب، وحب الرّب دون أي اعتبار للذات، والتعلق بما هو عابر نوع من الجنون، وأن الذين يتركون أنفسهم لكي يسيطر علىهم شغف الحب، يبحثون عن السعادة حيث يقيم الموت، ولن يجدوها أبدًا، فحب الشهوة شكل خبيث لحب الذات الذي يتحقق على حساب حب الرب.
الفكرة من كتاب مفارقات السعادة
من السهل تحديد أسباب التعاسة كهجر حبيب أو فقدان صديق أو حادث أليم، أما السعادة فمن الصعب تحديد تعريفها، وتحديد أسبابها، ولذلك يحاول الكاتب هنا البحث عن أسباب توفير لحظات السعادة والاطمئنان في الحياة، وهدم كل الأفكار المشوهة.
مؤلف كتاب مفارقات السعادة
لوك فيري: فيلسوف فرنسي ولد سنة 1952، شغل منصب وزير التربية والتعليم في فرنسا في الفترة (2002: 2004).
التحق لوك فيري بالتدريس، فدرَّس الفلسفة والعلوم السياسية في جامعات فرنسية كثيرة، وبدأ نشر إنتاجه منذ 1985 بكتاب ينتقد الفكر الفلسفي السائد، وعنوانه “مقال في مناهضة الإنسية المعاصرة”، ثم أصدر كتابًا بعنوان “النظام الإيكولوجي الجديد”، وآخر بعنوان “الإنسان الإله أو معنى الحياة”.