سحر التربية في المغرب والأندلس
سحر التربية في المغرب والأندلس
انطلق المسلمون من مصر حاملين رسالة الإسلام، صابرين على الحروب والمكائد لنشر راية التوحيد، حتى أصبحت بلاد المغرب والأندلس كلها ترفع راية الإسلام، وأصبح تاريخهما جزءًا أصيلًا من تاريخ الحركة الإسلامية، فكتبوا رسائل ومؤلفات عدة تتعلق بالتربية والتثقيف، ومن أشهر الكتاب العلامة المالكي ابن سحنون وكتابه بعنوان “آداب المعلمين”، ذكر فيه مجموعة نصائح عامة، وطرقًا للتعليم والتربية، وكان حفظ القرآن الكريم مادة أساسية لا ينبغي أن يتعداها الصبي مهما كانت الظروف، وكان الإمام مأمورًا بتعليم الأطفال الصلاة والوضوء والدعاء بجوار تعليمهم للقرآن، والخط، وبعض الأحاديث، وتم الفصل بين الجنسين في حلقات التعليم، بسبب النتائج السلبية التي تظهر في عملية الخلط بين الجنسين، من حيث اشتغال بعضهم ببعض عن العلم، ثم الميل الغريزي الذي يترتب عليه الكثير من المفاسد، ومع ذلك كانت البنت مساوية للولد؛ إذ كان لها الحق في تعلم العلوم كلها، والحرص على التخلق بالآداب الإسلامية.
وبدأت رحلة التربية والتعليم عند المغاربة والأندلسيين من مكتب المؤدب ثم حلقات العلم في المساجد أو عند بيوت الشيوخ، ثم أخيرًا في المدارس، وخصوصًا المدرسة الفاسية في المغرب الأقصى، لكن ظل التعليم والتربية في المسجد هو الأصل، وإن وُجدت المكاتب المستقلة سواء في المغرب أو الأندلس، وكان المؤدبون في الأندلس أصحاب اختصاصات، منهم من كان يُعلِّم العربية مثل سعيد بن قدامة، ومنهم من كان يُعلِّم النحو فقط مثل محمد بن سليمان، ويُشير المؤرخون إلى المكتبة الأموية كواحدة من أشهر مكتبات قُرطبة، ومن الطريف أن الدولة وظَّفت الخطاطات من النساء في المكتبات والخزائن العامة، كالخطاطة الأندلسية لُبنى، وكانت كاتبة للخليفة الحكم المُستنصر.
وأفرد المؤرخ الأديب أحمد بن محمد المقري فصلًا جذابًا في كتابه “الرائق لنساء الأندلس” يقول فيه: “وإذا وصلتُ إلى هذا الموضع من كلام أهل الأندلس، فقد رأيتُ أن أذكر جملة من نساء أهل الأندلس اللاتي لهن اليد الطولى في البلاغة كي يُعلَم أن البراعة في أهل الأندلس كالغريزة لهم حتى في نسائهم وصبيانهم”، وذكر عددًا كبيرًا منهن، مثل: بثينة بنت المعتمد بن عباد وأمها الشاعرة الأميرة اعتماد الرُّميكية، وتجلَّت ثقافة المرأة الأندلسية وأدبها في معرفة أمور الفقه والفتاوى والنوازل التي كان يعجز بعض العلماء والفقهاء عن حلها.
الفكرة من كتاب كيف ربَّى المسلمون أبناءَهم.. رحلة في تاريخ التربية الإسلامية
هذه رحلة في تاريخ التربية الإسلامية حيث يبدأ الكتاب بسرد هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين في تربية وتعليم الأطفال ليتدرَّج بعد ذلك إلى مراحل التربية في الحضارة الإسلامية من أموية وعباسية ومملوكية، ثم في المغرب والأندلس، ليوضِّح هذا الجانب المهم من جوانب الحضارة الإسلامية، بل الداعم الأساسي الذي قامت عليه النهضة الإسلامية، وكل ذلك يؤكد أن التقدم الحضاري والمعرفي لهذه الأمة كان وفق مشروع تربوي عظيم أسهم بصورة موازية للمشاريع الحضارية الأخرى في الارتقاء والازدهار والتقدم الإسلامي.
مؤلف كتاب كيف ربَّى المسلمون أبناءَهم.. رحلة في تاريخ التربية الإسلامية
محمد شعبان أيوب: باحث في التاريخ والتراث والحضارة الإسلامية، مؤلف وكاتب صحفي، وعمل بمركز الحضارة للدراسات التاريخية، وله العديد من المؤلفات، منها:
رحلة الخلافة العباسية.
دولة المماليك.
بيري ريس أمير الحرب والبحر.