ساعات الوقت
ساعات الوقت
على المرء أن ينظر إلى مدة بقائه في الدنيا، فهي لن تكون بطول اللبث في القبور، ولن تقارن بطول يوم القيامة الذي يقدر بخمسين ألف سنة، وإذا فرضنا أن عمر الإنسان ستون سنة، فتمضي منها ثلاثون في النوم، ونحوٌ من خمسة عشر في الصِّبا، فإذا حسبنا الباقي، كان أكثرُه في الشهوات والمطاعم والمكاسب، وربما نجد ما بقي للآخرة الكثير من الرياء والغفلة، لذلك ثمن شراء الحياة الأبدية، هو هذه الساعات.
فلذلك علينا الانتباه والندم وأخذ العظة من التفريط في الساعات الضائعة، والاجتهاد في لحاق الكاملين، مثلما كان يفعل سلفنا الصالح (رحمهم الله) الذين أحبوا جمع كل فضيلة، وبكوا على فوات أي فضيلة منها. فمن أمثلة السلف قول إبراهيم بن أدهم (رحمه الله): “دخلنا على عابدٍ مريض، وهو ينظر إلى رجليه ويبكي، فقلنا: ما لك تبكي؟ فقال: ما اغبرّتا في سبيل الله تعالى، وبكى آخر فقيل له: ما يبكيك؟ قال: على يومٍ مضى ما صمته، وعلى ليلة ذهبَت ما قمتها”.
غير أن السلف كانوا يغتنمون اللحظات، مثل كَهْمَسُ بن الحسن التميمي الذي كان يختم القرآن في كل يومٍ وليلةٍ ثلاث مرات، وكان أربعون رجلًا من السلف يصلون الفجر بوضوء العشاء، وكانت رابعةُ العدوية لا تنام الليل، فإذا طلع الفجر هجعَتْ هجعةً خفيفة وقامت فزِعَةً وقالت لنفسها: “النوم في القبور طويل”.
ومع ذلك لا يكون التشاغل بالتعبد من غير علم، فإننا نجد الكثير من الزهاد والمتصوفة ضلوا طريق الهدى جراء عملهم بغير امتلاك العلم، وفي المقابل العلم وحده لا ينفع لأن من يعرض عن العمل بعلمه يُمنَع من البركة ويُحرَم النفع.
الفكرة من كتاب لفتةُ الكَبَدِ إلى نصيحةِ الولدِ
دائمًا ما تكون وصايا الآباء للأبناء مختلفة، فهي تجمع بين الحكمة والشفقة وخلاصة تجارب الحياة، فما بالك إن كان الإمام ابن الجَوْزي هو من سيقدم النصيحة والوعظ؟!
بلسانِ الأب العطوف الحنون المُلقب بواعظ الآفاق ومفخرة العراق، سيطرح لنا الإمام ابن الجَوْزي نصائح عدّة من شأنها المساعدة في استقامة أمور الدين والدنيا وفي سبل كسب العلم، بطريقة سهلة في الطرح، ومؤثرة في القلب، وبالغة الحكمة.
مؤلف كتاب لفتةُ الكَبَدِ إلى نصيحةِ الولدِ
الحافظ ابن الجَوْزي: فقيه حنبلي ومحدّث ومؤرخ، وُلد سنة 508 هـ وتوفي سنة 597 هـ ببغداد، يمتد نسبه إلى أبي بكر الصديق، وعُرف بابن الجَوْزي نسبةً إلى شجرة جوز كانت في داره بواسط، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى “فرضة الجوز” وهي مرفأ نهر البصرة. وتميّز بغزارة إنتاجه وكثرة مصنفاته، التي بلغت نحو ثلاثمئة مصنف في مختلف العلوم وبخاصة التزكية والرقائق.
توفي أبوه وهو في الثالثة من عمره فتولت تربيته عمته، وأرسلته إلى مسجد محمد بن ناصر الحافظ ببغداد، فحفظ على يديه القرآن الكريم، وتعلم الحديث الشريف، وقد لازمه نحو ثلاثين عامًا.
جلس ابن الجَوْزي للتدريس والوعظ وهو صغير، وكان يحضر مجالسه الخلفاء والوزراء والعلماء والأعيان، وأسلم على يديه نحو مئتين من أهل الذمة، وتاب في مجالسه أكثر من مئة ألف.
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
الأذكياء.
صيد الخاطر.
صفوة الصفوة.
أخبار الحمقى والمغفلين.
زاد المسير في علم التفسير.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.