زيارة الشريف الأكبر
زيارة الشريف الأكبر
وصل الرد من الشريف الأكبر بعد غياب طويل، مُرحبًا به وأنه في انتظاره، وسيرسل إليه الخدم لأجل المهمة، وبالفعل بدأت استعدادات المغادرة، حتى وصل إلى الطائف، ووصل إلى الشريف الأكبر وهو محمد بن عون، فاستقبله استقبالا لطيفًا.
تحدَّث الشريف الأكبر معه كثيرًا وسأله عن وضع الفرنسيين في الجزائر، وعن الأمير عبد القادر، لكن كان هذا أمام أبناء أعمامه والخدم، إلا إنه في اليوم التالي وبعد أن استراح ليون روش، استطاع الشريف الأكبر الانفراد به، فوجَّه الشريف الأكبر إليه سؤالًا صريحًا: “لعلَّ الشيخ فرينيل، على الرغم من كونه نصرانيًّا هو أكثر صديق يمكن أن يحظى بثقتي، لقد أوصاني بك كما لو كان يوصيني بنفسه.. تكلَّم بصراحة إذًا وفسِّر لي الهدف من زيارتك؟”.
وبالفعل وضَّح له ليون روش الهدف من الزيارة، وأنها لم تكن لأداء فريضة الحج، بل الحصول على إقرار الفتوى، والسعي لوضع حد للمعاملة السيئة التي يتعرَّض لها الحجاج الجزائريون.. وقال له: “الأمر يتعلق بادئ ذي بدء بعمل إنساني للغاية لأنك ستعمل على إنجاح مشاريع صديقك العظيم الذي يحرص، لمصلحة دين الإسلام طبعًا، على الحفاظ على أفضل العلاقات مع فرنسا”.
وبالفعل فقد وعد الشريف الأكبر ليون روش بما طلبه منه، وعقد مجلسًا مؤلفًا من علماء بغداد ودمشق والمدينة ومكة ليقرُّوا بالفتوى، ووقَّع الجميع ووضعوا أختامهم.
عاد ليون روش من الطائف إلى مكة مرة أخرى ليُكمل شعائر الحج، ولكن هذه المرة التقى جزائريين، فامتلكه الرعب لو عرفوا أنه نصراني، وبالفعل ففي يوم عرفة لاحظ تحرُّكًا كبيرًا حوله وسمع صيحات، فربطوه بقوَّة والتفُّوا حوله، حتى صارًا عاجزًا عن السمع والرؤية.
شعر ليون روش أنه محمول، يركب مهرية، ولكن بعد ساعة.. شعر بوجود شخص أو شخصين يُنزلانه على الأرض برفق، ثم حلُّوا عنه الوثاق، وكانا يُعاملانه باحترام وقدَّما له الطعام، فقد كانوا هؤلاء حرَّاسًا من الشريف الأكبر محمد بن عون، يُراقبانه من بعيد في عرفات.
الفكرة من كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
يروي ليون روش في مذكراته رحلته إلى بلاد الشرق، وحجته إلى مكة المكرمة، وذلك ضمن رحلته التي كُلِّف بها من قِبل الحاكم العسكري الفرنسي للجزائر، إذ كُلِّفَ بالسفر إلى تونس ومصر والحجاز لأجل فتوى تدعو الجزائريين إلى قبول الحُكم الفرنسي مُقابل أن يحترم هذا الحُكم دينهم وعاداتهم وتقاليدهم.
فسافر روش حاملًا تلك الفتوى ليحصل على مُصادقة علماء جامع الزيتونة بتونس، وعلماء الأزهر في مصر، وعلماء المُسلمين في الطائف بالحجاز، فقد كانت الطائف مقر الشريف الأكبر شريف مكة المُكرمة حينها، وعندما وصل الحجاز كان موسم الحج، فأراد حضور شعائر الحج، ودوَّن في مذكراته كل ما كان يعتقده مهمًّا لأهل بلده -فرنسا- ليكون توثيقًا لحال المُسلمين في البلاد التي زارها، وتوثيقًا للأماكن والبُقع المُباركة.
مؤلف كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
ليون روش: مترجم وسفير فرنسي، ولد في فرنسا عام 1809م، وقد شارك والده في الحملة الفرنسية على الجزائر عام 1830م، فلما استوطن في الجزائر دعا ولده للالتحاق به، فعاش ليون روش مع والده، فتعلَّم العربيَّة وخالط أهل الجزائر، وتولَّى الترجمة في الإدارة الفرنسية، ثم التحق بالأمير عبد القادر مُتجسِّسًا لصالح الحملة الفرنسية، فأعلن إسلامه وسُمِّي بـ”عمر بن عبد الله”، ورافق الأمير في كل تنقُّلاته ورحلاته، ولما قامت الحرب بين الأمير وفرنسا انشقَّ عن الأمير والتحق بالسلطة الفرنسية.
من مؤلفاته:
Trente-Deux ANS a Travers l’Islam (1832-1864)
معلومات عن المُترجم (المُقدِّم):
محمد خير محمود البقاعي: باحث ومحقق ومترجم سوري، ولد عام 1956م، ترجم عن اللغة الفرنسية، وقام بتحقيق عدد من دواوين الشعراء العرب القدامى، وحصل على جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في دورتها التاسعة وذلك عام 2018.