زواج جابر
زواج جابر
كان أول ما فعله هو الزواج بعد نحو عامٍ من وفاة أبيه، بين غزوة بني النضير وغزوة ذات الرقاع الأولى. كان يعرف ما يحتاج إليه؛ امرأة ناضجة تتفهم علاقته بأخواته فلا تغار منهن، وتؤدبهن وتعتني بهن ولا ترى في ذلك إهانة لها، وتتحمل مسؤولية الأسرة والبيت حين يغيب في الغزوات أو إذا استُشهد، وتصبر على ضيق ذات اليد حتى يسدد دينه، فاختار سُهَيمة بنت مسعود، وكانت ثيِّبًا سبق لها الزواج، وأسلمت وكانت من المُبايعات، وكانت من بيت طيب عرفت فيه كيف يُحفَظ البيت في غياب الزوج وجهاده، فهي ابنة عمته الشُّموس بنت عمرو (رضي الله عنها) التي أسلمت وبايعت، وأبوها مسعود بن أوس (رضي الله عنه) شهِد بدرًا والمشاهد كلها مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكانت لها أخوات اكتسبت معهن خبرة في الرعاية والتربية.
وكان الزواج في حياة الصحابة وسيلة لبلوغ رضا الله وليس غاية تشغل حيزًا كبيرًا عندهم.
وفي طريق العودة من ذات الرقاع، حرص النبي المربي ﷺ أن يُعلم جابرًا كثيرًا من الأمور التي يحتاج إليها في حياته الجديدة.
أذن النبي لمن أراد التعجل إلى أهله أن يَفعل، مقدرًا لطبيعتهم البشرية، فانطلق جابر مسرعًا، لكن جمله توقف، وكان النبي ﷺ يسير في آخر الجيش ليتفقد الجند ويعينهم، فنخس الجمل بعصا وأخذ بذنبه وزجره فانطلق سريعًا، وسأله ﷺ عن سبب تعجله، فأخبره أنه حديث عهدٍ بعُرس، فسأله: “بكْرًا أمْ ثَيِّبًا؟”، قال: ثَيِّبًا، قالَ: “هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ…”، فأخبره عن سبب اختياره فأقرَّه ﷺ وبارك له وقال: “فَذَاكَ إذَنْ، إنَّ المَرْأَةَ تُنْكَحُ علَى دِينِهَا، وَمَالِهَا، وَجَمَالِهَا، فَعَلَيْكَ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ” ، ولم يرَ في خدمة زوجته لأخواته ظلمًا لها، وأقرَّ سائر أصحابه على خدمة زوجاتهم لهم، فتلك سنة الحياة التي لا تسير تبعًا لهوى الإنسان ولا للثقافة الغربية الغالبة.
الفكرة من كتاب جابر بن عبد الله – في ظلال التربية النبوية
كانت شخصية جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) واقعية حقيقية وربما بدت عادية، كانت فيه سمات جيل الصحابة الفريد من الإيمان، والتوازن في العبادة، والعلم الحي، والعمل الدؤوب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع هذا الكتاب نعرف حكايته ونرى ما حظي به من التربية النبوية.
مؤلف كتاب جابر بن عبد الله – في ظلال التربية النبوية
محمد حشمت: كاتبٌ ومحاضر، حصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ثم حصل على ماجستير العقيدة الإسلامية من كلية العلوم الإسلامية بجامعة ميديو في ماليزيا.
من مؤلفاته: “الخلاصة في علم مصطلح الحديث” وسلسلة “في ظلال التربية النبوية” التي تضم الكتاب الذي بين أيدينا و”حذيفة بن اليمان” و”كعب بن مالك” و”الرميصاء” و”فاطمة” و”خوَّات” رضي الله عنهم.