زمن المسخ.. الحقيقة لا تهم أحدًا
زمن المسخ.. الحقيقة لا تهم أحدًا
بالطبع لم تكن الحرب بالنسبة إلى الإسرائيليين وداعميهم مجرد تبادل لطلقات الرصاص بينهم وبين العرب، لقد كانت تلك الآلة الجهنمية التي أتت معهم من أوروبا تؤدي المهام الصعبة، إذ تقلب المعاني وتحول الكلمات إلى لغة تقول الأشياء وعكسها بنفس الطريقة.
كان العرب يحاربون وعقولهم ممتلئة بأوهام هذه الآلة عن الشعب الذي لا يُقهر وعن سيطرة اليهود على العالم لكونهم الأكثر ذكاءً، حتى ظهر أن العرب قد اقتنعوا وبدؤوا ينشرون هذه السردية بأنفسهم، ولكن لم يتوقع العرب ولم يروا الهدف الكامل لهذه الدعايا، وأنها في الحقيقة ذات بعدين منذ زمن بعيد.. لقد كان هذا التعظيم اليهودي يستهدف العرب بالتهديد باعتبارهم أغيارًا لا يستحقون تلك الأرض ولم يُنجزوا فيها غير الخراب، هذه الرؤية تشاركوا فيها مع الأوروبيين أن تلك الشعوب الواقعة بين نهر الفرات والمحيط الأطلسي غير ملائمة للعصر الحديث بشكل أو بآخر، كان على أحد ما أن يتحمل ذنوب بقية العالم المتحضر.
إن الحديث عن تاريخ المواجهات بين العرب وإسرائيل باعتبارها حربًا حقيقية بين جهتين متكافئتين هو من قبيل النكتة، لقد كان اليهود طوال تاريخهم مدعومين من القوة العظمى بالعالم في كل عصر، أعطتهم الإمبراطورية البريطانية وعد بلفور عقب الحرب العالمية وكانت تذكرة عبورهم الأولى إلى فلسطين ثم الولايات المتحدة بكل قواها في الحرب والسياسة، من أمثلة ذلك: قرار التقسيم 1947 والدعم في حرب 1973 وفي أثناء ذلك كله لم يعرف العرب من يحاربون بالضبط أو بأي شيء، لقد قتلتهم أسلحتهم قبل أن يقتلهم أعداؤهم، وكان يبدو على قادتهم شيء من الضيق إذا حققوا نوعًا من التقدم.
وفوق كل ذلك إذا حدثت المعجزات وانتصروا تفاجؤوا بالهدنة التي تسمح لليهود بإعادة تنظيم أنفسهم، وفي حرب 1973 عندما صُدم الجميع بالتقدم والنصر الوشيك الخاطف للمصريين في بداية القتال، توقفت الحرب فجأة وبدا أن الجميع قد حنوا إلى السلام، بعد كل هذا الهزل كان على الجميع أن يحول بعينه ويحدق إلى الداخل، إلى العرش وتلك الطبقة الجالسة بجواره طوال الوقت، وأدركوا أنهم حاربوا وربما انتصروا نعم لكن ليس بإرادتهم كما سبق وهزموا بغير إرادتهم أيضًا.
الفكرة من كتاب المثقفون العرب وإسرائيل
إن التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي والحركة الصهيونية باعتبارها مجرد مرحلة عابرة في تاريخ حروب مصر الطويل هو سطحية متعمدة لا ينبغي إحسان الظن بها، يحدثنا الدكتور جلال أمين عن تعريف النصر والهزيمة وعن طبيعة الحروب التي دخلها العرب منذ بداية الصراع، ويحاول إيجاد تفسيرات جديدة لتلك الهزائم التي ربما لم يرد أحد وحتى نحن أن ننتصر فيها، ويتطرق أيضًا إلى هذا النوع من المثقفين الجدد وكيفية تعاطيهم مع الدعايا الإسرائيلية، أو حتى مبادراتهم المبتكرة في تلك السوق التي لا تترك لأحدهم مجالًا حتى ليستر نفسه.
مؤلف كتاب المثقفون العرب وإسرائيل
جلال أمين، وُلد عام 1935م، هو ابن الاديب والمفكر المصري أحمد أمين وواحد من أهم الكتاب والمفكرين المعاصرين، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة ونال درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن، عمل أستاذًا للاقتصاد بكلية الحقوق جامعة عين شمس والجامعة الأمريكية بالقاهرة، كان مهتمًّا في كتاباته بالجانبين الاجتماعي والاقتصادي ورصد التغيرات التي تجري للمصريين في هذين الجانبين، ومن أهم كتبه:
خرافة التقدم والتخلف.
ماذا حدث للمصريين؟
عصر الجماهير الغفيرة.