زاد الرحلة
زاد الرحلة
ينظر الله إلى قلبك كل يوم، فإذا كنت عاقلًا فطهِّر مكان نظره ولا تهتم فقط بما يراه الناس، فهم عباد لله مثلك ولن يضروك أو ينفعوك، وإذا فات الأوان وانقضت الدنيا فلن تستطيع الرجوع وسيتملَّكك الندم، والحقيقة المخيفة التي يجب ألا تغفل عنها أن أهل القبور ينتظرونك في كل وقت، فيجب ألا تصل إلى الحياة الأخرى بلا زاد يعينك؛ فالناس عند مفارقتهم للحياة نوعان: نوع كالطير إذا جاء موعد الرحيل انطبق عليه قول الله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾، وتطير روحه إلى الجنة، والبعض الآخر يكون ثقيلًا عند موعد ندائه ويكون ثقيلًا ويهوي في النار وينطبق عليه: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾.
وأكبر زادٍ لك في الحياة الأخرى هو قيام الليل، فهو الوقت الذي يعطي الله فيه لكل سائل مراده، فإذا أردت أن يغفر لك، أو يعطيك مما تسأل أو يتوب عليك قم الليل، فمن ينام الليل كله دون عمل يذهب إلى الحياة الأخرى مفلسًا خائبًا يقول تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾، فلله تعالى أصواتٌ يحبها، منها صوت المستغفرين بالأسحار، فتخيل أن يكون صوتك محبوبًا لدى ربك، وأن هناك رياحًا تهب في الليل تحمل الأذكار والاستغفار إلى الله.
وقيام الليل مراتب: أول مرتبة فيه هي مرتبة العابدين وفيها يقوم الناس في أول الليل فيصلون إلى ما شاء الله، ثم مرتبة القانتين وفيها يقوم الناس ويصلون إلى السحر، وثالث مرتبة هي مرتبة المستغفرين، ثم يأتي الفجر وهي مرتبة الغافلين فيستيقظ الناس من نومهم وكأنهم كانوا في موت وخرجوا منه.
والطاعة لها أبعاد ومعانٍ عميقة كأن تدرك أنك لو أدَّيتها في غير ما جُعلت لأجله أو تخلَّيت عن شروطها تأثم، كأن تترك الحلال وتظن أنه ورع ولكنك تكون مذنبًا مثل صيام يومي العيد والتشريق فهو تحريمٌ للأكل في موضع تحليله، ولا تظن أن الزهد وقطع الشهوة هو سبيلك للنجاة، بل يجب أن يكون بسيف الرياضة والبعد عن الهوى.
الفكرة من كتاب أيها الولد
قد تأتي علينا جميعًا فترات نظن أن العمرَ يتسرَّبُ منا، وأنه يمضي دون أن نحقِّق أي شيء لأنفسنا، نزهد في العمل والعبادات وكل شيء، ونسأل أنفسنا جديًّا: “ما الجدوى من الحياة؟”، ونمر بظروف سيئة أحيانًا تجعلنا نفقد الشعور بأنفسنا، أو نحتاج إلى يد تربت على أكتافنا، تشعرنا أننا حقيقيون، وأن الله هنا، معنا، يسمعنا ويشعر بنا، ويرسل إلينا الطمأنينة على هيئة بشر ينصحوننا ويكونون تأكيدًا ودليلًا على لطف الله.
في هذا الكتاب يأتي الإمام الغزالي معلمًا وناصحًا أمينًا يعلمك كيف تكون النصيحة التي تساعد غيرك وتخرجه من التيه وتطمئن قلبه، أو تزجره في وقت الحاجة، ومتى يجب أن تتوقف عن النصيحة، وآداب طلب العلم، والأعمال الصالحة والطالحة، وكيف تتخلَّص من الفتور.
مؤلف كتاب أيها الولد
أبو حامد الغزالي هو محمد بن محمد بن محمد أحمد الطوسي المعروف بالغزالي، ولد بطوس سنة 450 هجريًّا، وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس، وهو أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري ولُقِّب بحجة الإسلام لأنه كان ضليعًا في علم الكلام والرد على الفلاسفة، كان فقيهًا وأصوليًّا وفيلسوفًا، وكان صوفي الطريقة، شافعي الفقه، وعلى مذهب الأشاعرة في العقيدة، وكان من المؤسسين للمدرسة الأشعرية في علم الكلام وأحد أصولها الثلاثة بعد أبي الحسن الأشعري.
ترك العديد من الكتب في الفقه والتصوف وعلم الكلام والفلسفة والمنطق، ومن أبرز مؤلفاته: “إحياء علوم الدين”، و”تهافت الفلاسفة”، و”كيمياء السعادة”، و”جدِّد حياتك”، و”خلق المسلم”، و”السنة النبوية بين أهل الفقه والحديث”، و”الاقتصاد في الاعتقاد”، وغيرها.