رواية التاريخ
رواية التاريخ
انتهج المؤرخون عددًا من المناهج المختلفة ما بين الغث والثمين في تسجيل الوقائع والأحداث المختلفة، فبعضهم انتحل أسلوب الروائي في كتاباته، فهو لا يعدو أن يكون مجرد آلة ناسخة للقصص والحكايات على غرار قولهم إذا جمعت فقمِّش، وبعضهم كان يتعامل مع التاريخ بعقلية الخطيب المفوَّه الذي قد يزيد وينقص من الرواية بقدر ما يدغدغ به عاطفة القوم عبر موسيقى الكلمات المُسكِرة، ومع التكرار تتلقَّف الأجيال تلك الحكايات وتترسَّخ في الفلكلور الشعبي، ورغم مثالب هذا النهج من العملية التأريخية فإنه ما زال حاضرًا إلى اليوم.
من هنا كان هذا الدور الكبير للخيال في كتابات بعض المؤرخين هو السبب في اختلافهم حول توصيف الوقائع والأحداث ومن ثمَّ تفسيرها وفقًا للمبادئ الحاكمة للحضارات المختلفة، ففي العصور القديمة كان المناخ العام وقتها يجنح ناحية أن الآلهة هي التي تُسيِّر حياة الأفراد، وفي القرون الوسطى ومع انتصار المسيحية كانت الروح اللاهوتية منطبعة بشكل كبير على الكتابات التاريخية، وفي العصر الحديث بدأ الاتجاه ناحية العلل والنتائج، فالحوادث التاريخية وفق هذا النهج إنما تجري وفق علل ضرورية غير أنها على درجة من البعد والكثرة والتعقيد بالقدر الذي يصعب علينا سبر أغوارها ومعرفة كنهها في كل وقت.
ورغم انتشار هذا النهج الروائي، فإن التعميمات التاريخية لا سيما تلك المتكررة من ذوي الشهرة والنفوذ أدت إلى نشأة العديد من الأغاليط، والتي صعَّبت مهمة الكشف عن العلل الحقيقية للحوادث التاريخية، بل أدَّت إلى أحكام متناقضة وخادعة أحيانًا، هذا بالإضافة إلى صعوبة تخلُّص المؤرخ وانسلاله من تحيُّزه الشخصي نتيجة تأثره بعدد من المؤثرات المحيطة، الأمر الذي قد يدفعه إلى الانتقاء من الوقائع ما يوافق هواه تاركًا غيرها، فلا شيء في التاريخ أسهل من تطويع الوقائع لتسويغ رأي ما أو تأييد ما يخالفه.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ
في الدائرة التاريخية نلاحظ تعاقب عدد من القوى النفسية ومصفوفات الأسباب ونتائجها المضطردة، مما يمكن القول معه إن هناك سننًا تاريخية تعمل عملها في تاريخ الشعوب والأمم، وتعدُّ فلسفة التاريخ هي العلم المنوط به أصالة الكشف عن تلك النواميس التاريخية والإجابة عن أسئلة من قبيل: لماذا تنتهي الحضارات؟ وكيف تمرض الشعوب؟ وما تجارب الصعود والهبوط للأمم وتعاقبها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التاريخية الكبرى التي يبحث فيها هذا الكتاب.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ
غوستاف لوبون : طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، وقد درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي، وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثِّرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، مما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، تُوفِّي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من مؤلفاته: “حضارة العرب”، و”روح الثورات والثورة الفرنسية”، و”روح الجماعات”، و”السنن النفسية لتطور الأمم”، و”سيكولوجية الجماهير”.
معلومات عن المترجم:
عادل زعيتر: مترجم ومفكر فلسطيني، وُلد في مدينة نابلس الفلسطينية عام 1895م، تخرج في كلية الحقوق في باريس عام 1925، عمل محاميًّا لفترة ثم أصبح عضوًا بالمجمع العلمي العراقي، وله العديد من الترجمات المهمة لمؤلفين كبار أمثال جان جاك روسو، وفولتير، وغوستاف لوبون، وتوفي عام 1957م