رمضان أوسع من الصيام
رمضان أوسع من الصيام
إن السبب وراء عدم انتفاع قلوبنا بأعمال الشريعة هو أننا قصرنا مقاصدها في كونها عباداتٍ مأمورًا بها تُؤدَّى لكي نُسقِط عنا التكليف وحسب، وما كان هذا قَصد الشارع الحكيم فقط وإنما أنزل سبحانه لعباده منهجًا مستقيمًا يهدي للتي هي أقوم في كل شيء، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وبذكر الله تطمئن القلوب، وكُتِب علينا وعلى من قبلنا الصيام لعلَّنا نتقي ما يوقعنا ويوردنا المهالك، كما يعلِّمنا الصبر أيضًا، وشرع لنا الزواج لنطفئ استعار شهواتنا ونجد لها متنفَّسًا، وغيرها من العبادات التي لو تأمَّلناها لوجدنا لها مقاصد فوق مقصد التعبُّد، وهذا لا يُخلُّ بمقصد العبادة العظيم بالطبع، بل هو من ثراء الشريعة وغناها.
رمضان فرصة مكثَّفة لبناء برنامج حياتي منضبط خلال ثلاثين يومًا، فهو صورة مصغَّرة لما يجب أن يكون عليه عمر الإنسان كله، ونذكر هنا ملمحًا يسيرًا، ما يمكننا أن نتدرَّب عليه في رمضان فنتغير للأفضل ألا وهو ملمح الخلق، فإن لم تتغيَّر وتتحسَّن أخلاقنا في رمضان، فمتى تتحسَّن إذًا وكل الظروف مواتية ومهيَّأة لذلك، فالشياطين مسلسلة والشهر شهر رحمة ومغفرة وتدبُّر للقرآن، والقرآن يصبغ صاحبه بصبغته إن هو أحسن واستفاد من صحبته!
فما هو حسن الخلق بمعناه الشرعي المنضبط لا بمعناه العرفي ولا بمعناه الشخصي؟ يقول أهل العلم: حسن الخلق هو بذل المعروف وكفُّ الأذى وطلاقة الوجه، ويقولون هو مخالطة الناس بالجميل والبِشر والتودُّد لهم والإشفاق عليهم واحتمالهم والحلم عنهم والصبر عليهم في المكاره وترك الكبر والاستطالة عليهم ومجانبة الغلط والغضب والمؤاخذة، وبعيدًا عن أي تعريفات فإن حسن الخلق لا يحتاج إلى تعريف في رمضان أو في غيره، فهو يُعرَف وحده؛ تعرفه الفطرة بنفسها وتستسيغه، وحسن الخلق إن تحلَّى به صاحبه فإن نفعه يتعدَّى ليشمل من حوله من أهل وقرابة وجيرة وأصحاب.
إن في رمضان فرصة لأن ننهض بأنفسنا وننهض بأُسَرِنا أيضًا فنأخذ بأيديهم نحو مكارم الأخلاق ونعينهم على العبادة ونُرَغِّبها لهم، ويحثُّ بعضنا بعضًا على أعمال الخير، ويُصبِّرُ بعضنا بعضًا، فلا نترك الصغار يضيعون من بين أيدينا أمام دعاة الفواحش والفجور ولا نرسم في أذهانهم صورة سلبية عن الشهر بالإكثار فيه من فضول الأطعمة والأشربة وجلسات السحر واللهو، بل نعدُّ لهم برنامجًا نشاركهم في الأنشطة والعبادات المختلفة فيه فيتحوَّل رمضان لديهم إلى ضيف عزيز ينتظرونه كل عام.
وللرحم والجيرة والأخوة الإسلامية حقٌّ أيضًا ليس في رمضان فقط، لكنه يتأكَّد ويتضاعف في هذا الشهر، والمؤمن الكيِّس هو من جمع بين كل أنواع البر والإحسان في هذا الشهر الكريم لينال من عطاء الله وكرمه، فيعامل الناس بمثل ما يحب أن يعامله الله سبحانه لا بمثل ما يحب أن يعامله الناس، وهذا مقام سام رفيع لا يُلقَّاه إلا الذين صبروا!
الفكرة من كتاب روح الصيام ومعانيه
كثيرة هي نفحات الدهر التي يتودَّد الله فيها لعباده، يتودَّد ليعطي ويسبغ فضله وكرمه وعطاءه، ومن أعظم هذه النفحات شهر رمضان شهر القرآن شهر الإحسان، بل شهر الأقدار والتغيير الحقيقي والقرارات الحاسمة، فَيَا بَاغِيَ الخير أَقبِل ويَا بَاغِيَ الشرِّ أَقصِر.
مؤلف كتاب روح الصيام ومعانيه
عبد العزيز مصطفى كامل،كاتب وعضو مجلس إدارة بمجلة البيان، حاصل على ماجستير ودكتوراه في الشريعة، وللشيخ مؤلفات عديدة ومقالات متنوعة تخدم مجال الشريعة، ومن أبرزها:
العلمانيون وفلسطين: ستون عامًا من الفشل وماذا بعد؟
قبل الكارثة.. نذير ونفير.
معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية.