ركام الغزاة.. ماذا تركوا؟
ركام الغزاة.. ماذا تركوا؟
كانت فرنسا بعد غزو مصر مختلفة بالكامل عن السابق، لقد فشلت في التأثير على إنجلترا ومستعمراتها وحولوا العثمانيين إلى عدو، وكانت فترة إقامتهم في مصر غير مستقرة على الإطلاق فلم تتح لهم الثورات المتتالية فرصة لبسط نفوذهم ونشر ثقافتهم.
لقد أظهرت الحملة للأوروبيين مدى حساسية مصر وموقعها وكشفتها أمام أطماعهم، وقد أسس الغزو شعورًا جامعًا بالتكاتف للتصدي له، ليس من الدقة تسمية هذا الشعور بالقومية، فالمصريون كانوا ما يزالون يعتبرون أنفسهم رعايا للدولة العثمانية وضد الدعاية الفرنسية التي تصر على اعتبارهم أمة مستقلة واعتبار الأتراك أعداءً لهم لفصل مصر عن محيطها الإسلامي.
كان الفرنسيون يؤسسون لمستعمرة طويلة الأمد، ولذلك كانوا يحاولون توفير احتياجاتهم العسكرية كلها وغيرها من موارد البلاد، وقد استند إلى هذا الاستنتاج التيار الذي يعتبر الحملة بداية التحديث لمصر، على الرغم من أن الفرنسيين كانوا يمنعون المصريين العمل ببعض تلك المصانع كي لا يتعلموا طرق التشغيل، وكانت مصر تمثل لهم مستعمرة ذاتية العبيد ولذلك فهي توفر عليهم الكثير، ولا بأس لو أصاب هؤلاء السكان فيض محدود من الحضارة دون قصد.
كانت هناك الكثير من الأساطير حول جيش الشرق ودوره في نشر الحضارة والتنوير، إذ كان يتم تضخيم نتائج الحملة وتصوير العلاقة بين المصريين وجنود الحملة بشكل مثالي حيث الترحيب بالثقافة الفرنسية في الشرق، وأن تأثير نابليون امتد إلى كل المواطنين حتى الفلاحين والبدو، في حين كان الجيش الفرنسي يقتل الجميع لمجرد الشك فقط وضمان أنهم ليسوا من الثوار، فماذا سيتأثر إذا عاشوا أو ماتوا؟
لم يكن هناك أي تواصل إيجابي على مستوى شعبي بين الحملة والمصريين رغم المحاولات العديدة للفرنسيين لجذب انتباه المصريين بعلومهم وأشياء أُخرى، إلا أن الشيء الوحيد الذي جذب المصريين كان بجاحة المحتلين وانتهاكهم لعاداتهم ومقدساتهم، وكذلك عادات الجنود الفرنسيين التي كانت غير مقبولة بالنسبة إلى شعب محافظ ولم يُراع الفرنسيون هذا بأي شكل، لم يستجب لهذه الدعايا غير طبقة صغيرة من العلماء والزعماء الشعبيين الذين كانوا مجبرين بحسب مكانتهم على التعامل مع قادة الحملة وحضور مناسباتهم وتوصيل رسائلهم، وحتى هؤلاء لم يكونوا على ذلك القدر من التقبل والتماهي مع الفرنسيين.
الفكرة من كتاب الحداثة والامبريالية: الغزو الفرنسي وإشكالية نهضة مصر
كانت مصر دائمًا حلمًا أوروبيًّا وتمثلت في أذهان الأوروبيين كطبق ذهبي يحمل جميع أحلامهم وحلول مشكلاتهم، ومنذ عهد الإسكندر أدرك الجميع أنه لا إمبراطورية على ضفاف المتوسط تريد السيطرة على الشرق دون مصر في قلب أقاليمها.
يُقدم الكاتب مراجعات مُهمة لآراء أصبحت ترى التقدم والتجربة الغربية هي الوحيدة، ويطرح وجهات نظر حديثة تُثبت بُطلان هذه الرؤى، وتُقدم الوجه الآخر الذي كان يتم التغاضي عنه دائمًا في سبيل “الحداثة والتنوير” القادمين مع أشياء أُخرى غير مهمة، حتى وإن كان الغزو والاستعمار.
مؤلف كتاب الحداثة والامبريالية: الغزو الفرنسي وإشكالية نهضة مصر
أحمد زكريا الشلق: من مواليد طنطا عام 1948م، حصل على الدكتوراه في الآداب فرع التاريخ الحديث والمعاصر بمرتبة الشرف الأولى بجامعة عين شمس، وقد حصل على العديد من الجوائز منها:
جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2010م.
جائزة الدولة للتفوق العلمي في العلوم الاجتماعية 2006م.
له الكثير من المؤلفات والدراسات التاريخية مثل:
رؤية في تحديث الفكر المصري.
العرب والدولة العثمانية.
إمبراليون ومستشرقون.