رحلته العلمية
رحلته العلمية
غادر الطبري إلى الري وهي أحد الأقاليم المجاورة لبلدته حيث كانت تحتوي على العلماء وحلقات العلم، بقي فيها مدة خمسة أعوام درس فيها على يد شيخه ابن حميد المصنفات التاريخية لابن إسحاق صاحب السير، ودرس أيضًا على أيدي شيوخ آخرين مثل المثنى بن إبراهيم الآملي، ثم غادر بعد ذلك إلى بغداد عاصمة العالم الإسلامي آنذاك، ويقال إنه أقام فيها لمدة عام، ثم ارتحل بعد ذلك إلى جنوب العراق حيث البصرة والكوفة، ومن شيوخه الذين درس على أيديهم بالبصرة محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ومن بن بشار وأبو كريب محمد، ومن شيوخه في الكوفة إسماعيل بن موسى الفزاري.
عمل الطبري في فترة مقامه ببغداد مؤدبًا لابن الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان من سنة 244-248 هـ مقابل عشرة دنانير يتقاضاها، وقيل إن قبوله لهذه الوظيفة كان عندما اشتد عليه الضيق المالي في إحدى المرات وعرض عليه أحد أصحابه هذا العمل فقبله دون تردد.
غادر الطبري بعد ذلك إلى الشام ومصر وكانت مصر هي وجهته الأساسية، لم يُعرف خط السير الدقيق الذي سار عليه لكن يمكن استنتاج بعض الأماكن بناءً على ما ذكره من أسماء الرواة ممن نقل عنهم في مصنفاته، كانت بداية رحلته بالمرور على حمص التي كانت تشتهر برواية الحديث آنذاك، أخذ منها عن عمران بن بكار الكلاعي ومحمد بن عوف الطائي شيخ المحدثين في هذا الوقت، ثم اتجه إلى الرملة بفلسطين فأخذ عن موسى بن سهل والحسن بن بال، ثم إلى عسقلان وأخذ عن محمد بن الجوزجاني، ثم إلى مصر فأخذ عن يونس بن عبد الأعلى الحديث والقراءات، وفهم فقه مالك والشافعي لإقامته مع الربيع بن سليمان الذي كان يعمل مؤذنًا في جامع عمرو بن العاص وكان أحد تلاميذ الإمام الشافعي، وكذلك لعلاقته القوية مع أعيان بني عبد الحكم، محمد بن أبي عبد الحكم وهو كبيرهم وكان فقيهًا مالكيًّا بالإضافة إلى كونه أحد تلاميذ الإمام الشافعي، وشقيقه عبد الرحمن بن أبي الحكم الذي كان مشتغلًا بالتاريخ .
ثم عاد الطبري بعد ذلك إلى بغداد ليبدأ رحلته عالمًا مشتغلًا بالتصنيف والتدريس وتنتهي رحلته في تحصيله للعلم، ليستمر على ذلك نصف قرن من النشاط العلمي في بغداد.
وقبل الحديث عن الطبري بصفته عالمًا، سنتعرض للحديث عنه بصفته إنسانًا وكيف كانت طبيعة حياته وعلاقاته مع غيره.
الفكرة من كتاب الطبري حياته وآثاره
هذا الكتاب هو مقدمة فرانز روزنثال التي افتتح بها ترجمته الإنجليزية لمصنف تاريخ الطبري، وتعتبر هذه المقدمة سيرة ذاتية للطبري جمعها روزنثال وكان يتمنى لو وضعت هذه السيرة الذاتية في كتاب مستقل، ولكن لم توافق اللجنة الموكلة بترجمة كتاب تاريخ الطبري على فعل ذلك.
يتضمن هذا الكتاب سيرة مفصلة للطبري الذي يعتبر من أكثر علماء الإسلام تصنيفًا وشهرة، والذي رغم ذلك لم توجد له سيرة ذاتية بمثل هذه الدقة في البحث والرواية مثل المقدمة التي أوردها له روزنثال، يتضمن الكتاب الحديث عن كيف كانت نشأة الطبري، وكيف كانت حياته، ورحلته العلمية وأبرز مصنفاته.
مؤلف كتاب الطبري حياته وآثاره
فرانز روزنثال: ولد عام 1914م لعائلة يهودية في برلين، تلقى تعليمه في برلين ثم التحق بجامعتها حيث درس اللغات والحضارات الشرقية، كما تتلمذ على أيدي كبار المستشرقين الألمان، غادر ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية بسبب خطر داهمه من السلطة إلا أنه فقد كل أثر لعائلته الذين لقوا مصرعهم، استقر في الولايات المتحدة وكان رائدًا من رواد الاستشراق الأمريكي، ومن أهم إسهاماته:
ترجمته لمقدمة ابن خلدون.
ترجمته لتاريخ الطبري.
معلومات عن المترجم:
الدكتور أحمد العدوي: باحث ومؤرخ ومترجم مصري، يعمل أستاذًا مساعدًا للتاريخ الإسلامي في إحدى جامعات تركيا، ترجم العديد من الكتب مثل: كتاب نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي، وكتاب قصة الورق: تاريخ الورق العالم الإسلامي.