رحلة استكشاف الاتحاد السوفيتي
رحلة استكشاف الاتحاد السوفيتي
كان الهدف الأساسي لنا في موسكو يتمثل في ثلاث مهام: أولًا استكشاف الاتحاد السوفيتي ومعرفة كيف حقق الانتصار على النازية، وكيف ظهرت القوة الهائلة للاتحاد السوفيتي، وما هي الأيديولوجيا والفكر الذي يقف وراءه، ثانيًا استكشاف كيف يمكن لمصر الاستفادة من الاتحاد السوفيتي خصوصًا في ظل صراعنا مع بريطانيا ووجود قوات بريطانية في منطقة السويس، ثالثًا حدد جمال عبد الناصر ثلاثة مجالات لا بد أن نستكشفها في الاتحاد السوفيتي، وهي: البترول لأن بريطانيا قد تقطعه من السويس، والقطن إذ يمكن أن تفرض الشركات الأجنبية حظرًا على شراء القطن المصري، فهل يستطيع السوفييت شراء القطن؟ وما الكمية التي يمكنهم استيرادها من مصر؟ وأخيرًا السلاح وإمكانية مد مصر به، فوجدنا ترحيبًا من السوفيت باستثناء موضوع السلاح، الذي وجدنا منهم تسويفًا، ولم يجيبوا بنعم أو لا.
وقد شاهدت في موسكو العديد من الأمور التي جعلتني ألمس تناقضات عميقة جدًّا في المجتمع السوفييتي، وقد سبب هذا لي صدمة فكرية، فقد كنت ذاهبًا إلى الاتحاد السوفييتي ولدي قبول كبير لهذا البلد وللفكر الاشتراكي، وكان الذي يحكم السوفييت هو قرارات مؤتمر الحزب الشيوعي التاسع عشر في عام 1952، وتقول هذه القرارات: إن هناك انقسامًا في السوق العالمية بين سوق اشتراكية وسوق رأسمالية، وإن السوق الرأسمالية حدث فيها انكماش بسبب ظهور السوق الاشتراكية، ما يعني حدوث تنافس شرس بين الدول الرأسمالية على سوق عالمية منكمشة، إن الولايات المتحدة الأمريكية خرجت من الحرب العالمية الثانية بوصفها أعظم قوة رأسمالية تتزعم المعسكر الرأسمالي، وهدفها الأساسي أن تحل محل الاستعمار القديم، فهي تريد أن ترث الإمبراطوريتين الإنجليزية والفرنسية، وفي ضوء فكرهم السياسي صنفوا ثورة يوليو على أنها ثورة أمريكية، فأمريكا تريد تغيير الأنظمة كلها في هذا العالم الخاضع للاستعمار القديم وتجعله خاضعًا لها، وكانت الصحف السوفيتية تلتقط مظاهر الحياة في مصر والإعلانات المنتشرة عن المنتجات الأمريكية مثل كوكاكولا، وتفسرها كأنها مظهر من مظاهر الانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد هاجم السوفييت والشيوعيون المصريون اتفاقية الجلاء عام 1954، إلا أن موقفهم تغير بعد ذلك بعدما بدأ عبد الناصر معركة الأحلاف العسكرية، وفي فبراير عام 1954 عقد مجلس السوفييت الأعلى اجتماعه، وقد وجه الدعوة إلى أعضاء السلك الدبلوماسي، وأُعلن خبر مهم، وهو أن الولايات المتحدة لم تعد محتكرة للقنبلة النووية، وأن الاتحاد السوفييتي أصبح يملكها الآن، وقد وقع هذا الخبر كالصاعقة على الولايات المتحدة، إذ لم تعد تشكل تهديدًا نوويًّا للاتحاد السوفييتي.
الفكرة من كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
يذكر الدكتور مراد غالب في مذكراته التي بين أيدينا العديد من الأحداث والمواقف التي شهدها وعايشها خلال توليه العديد من المناصب الهامة في الدولة المصرية خلال فترة حكم عبد الناصر والسادات.
مؤلف كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
مراد غالب: هو طبيب مصري، تخرج في كلية الطب، وحصل على درجة الدكتوراه، وعمل أستاذًا للأنف والأذن والحنجرة بجامعة الإسكندرية، كانت له علاقة صداقة قوية بعددٍ من الضباط الأحرار، وكانت له أنشطة وطنية قبل ثورة 23 يوليو، وقد أقنعه الرئيس جمال عبد الناصر بترك الطب والدخول في العمل السياسي، عمل في العديد من المناصب، أهمها، العمل سكرتيرًا ثالثًا ل
لسفارة المصرية بموسكو بالاتحاد السوفيتي، ثم مستشارًا للرئيس جمال عبد الناصر، ثم وكيلًا لوزارة الخارجية، ثم سفيرًا لمصر بالكونجو، ثم سفيرًا لمصر بموسكو منذ عام 1961 إلى عام 1971، وفي عهد الرئيس السادات شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم وزيرًا للخارجية، ثم وزيرًا للإعلام، ثم وزيرًا للوحدة بين مصر وليبيا، ثم سفيرًا لمصر بيوغسلافيا، وفي نوفمبر عام 1977 قدَّم استقالته احتجاجًا على زيارة الرئيس السادات للقدس وتوقيعه معاهدة السلام، وفي عام 1988 انتخب رئيسًا لمنظمة الشعوب الأفروأسيوية وظل في هذا المنصب حتى وفاته عام 2007.
لعب دورًا كبيرًا في توطيد العلاقات وتقويتها بين مصر والاتحاد السوفييتي، وقد حصل على وسام (بطل العمل الاشتراكي) وهو أحد أرفع الأوسمة بالاتحاد السوفييتي.