رحلة ابن خلدون في مصر
رحلة ابن خلدون في مصر
انتقل ابن خلدون إلي القاهرة وأظهر انبهاره بمدى حضارتها، وحينها كان ابن خلدون قد بلغ الثانية والخمسين من عمره، وكان شغوفًا ومتطلعًا في مراتب العلم لا في مراتب السياسة، ولكن هذا لم ينسه التقرب من “الظاهر برقوق” والي مصر، فأكرمه وعينه في منصب تدريس الفقه المالكي بمدرسة “القمحية”، ومع الوقت راقت له الأمور أكثر إذ غضب السلطان على جمال الدين عبد الرحمن المالكي وهو قاضي الملكية وعُين ابن خلدون بدلًا منه، وحينها كان القضاء في مصر يعاني من الفساد واتباع الأهواء، ولكن ابن خلدون لم ينجرف وراء ذلك بل شهد له المعاصرون بالعدل والدقة ومحاولة إصلاح الفساد.
وكان لابن خلدون الكثير من الأعداء فقالوا للسلطان: “كيف لمغربي أن يتولى منصبًا رفيعًا هكذا ومصر لديها الكثير من العلماء؟” ومن هنا كانت حيلة خصوم ابن خلدون ليضعوا سخط السلطان عليه، وبينما ابن خلدون يدافع عن نفسه أصيب بنكبته العظمى وهي هلاك زوجته وأولاده، فقد غرقت السفينة التي كانت تحملهم بالقرب من الإسكندرية، فزهد ابن خلدون الحياة ولم يعد يبالي بالمنصب فتم إعفاؤه من منصب قاضي قضاة المالكية.
ولكن هذا لا يعني السخط الكامل من السلطان على ابن خلدون، فقد عينه أستاذًا للفقه المالكي في مدرسة “الظاهرية البرقوقية”، وظل يتقلب في المناصب في عهد الظاهر حتى جاءت ثورة الناصري وعزلت الظاهر من العرش وعزل معه ابن خلدون، ولما عاد الظاهر إلي العرش وجد أن العلماء أفتوا فتوى ضده وكان من بينهم ابن خلدون فأعرض عنه مدة ثم عفا عنه الظاهر ومات.
ولما جاء عهد ابنه الناصر كان الشام في هذا الوقت تحت ولاية مماليك مصر، وفجأة جاءت الأنباء أن تيمورلنك غزا الشام، فلما سمع الناصر بهذا أخذ معه بعض الفقهاء من بينهم ابن خلدون وذهب إلى الشام، ودارت المفاوضات ولكن الأمراء أرادوا الانقلاب على الناصر، فحينها عاد إلى مصر وترك ابن خلدون خلفه، فعاد ابن خلدون إلى عادته القديمة وهي التقرب من السلطان لعله يكون من بطا
نته، وقد وصف لتيمورلنك المغرب كأنه يراه، ولعل ابن خلدون اشتاق المغامرات السياسية ورأى شيئًا من سذاجة هذا الفاتح.
ثم أعاد ابن خلدون إلى مصر واستعاد منصب قاضي القضاة، وحين كان عمره ستة وسبعين عامًا توفي ابن خلدون عن حياة كانت مليئة بالنشاط والطموح والعمل، وتم دفنه في مقابر الصوفية.
الفكرة من كتاب عبدالرحمن بن خلدون حياته وآثاره و مظاهر عبقريته
في رحلة الحياة نتقلب بين حُلوها ومُرها، وقد تغلق علينا أبواب كنا نظن أنها النجاة، فحينها قد يزورنا اليأس ويسلبنا الأمل، ولكن حين تعرف كيف تقلبت الأمور برجلٍ مثل ابن خلدون وما طبيعة البيئة التي خرج منها، وكيف صعدت به الحياة إلى أعلى المناصب، وكيف هوت به في حُطام السجون، ولكنه لم ييأس وتعلم كيف ينهض من جديد حتى أصبح يكتب الكتب ويذكره التاريخ، ولهذا يعلمنا الكاتب في كتابنا هذا كيف نستفيد من عبقريته، كيف نستفيد من رجل زار الكثير من بقاع الأرض.
مؤلف كتاب عبدالرحمن بن خلدون حياته وآثاره و مظاهر عبقريته
علي عبد الواحد وافي، كاتب ورائد من رواد علم الاجتماع العربي، مصري الجنسية ولد في أم درمان بالسودان وعمل مدرسًا لعلم النفس والتربية والاجتماع في الأزهر وجامعة القاهرة والعديد من الجامعات العربية، وتقلد مناصب أكاديمية عدة، منها عميد كلية التربية بالأزهر، وله العديد من المؤلفات منها :
تحقيق المدينة الفاضلة للفارابي.
علم اللغة.
غرائب النظام و غرائب العادات.