رحلة إلى الرماد
رحلة إلى الرماد
كانت رحلة يورجن تودينهوفر إلى العراق شبيهة بعمليات تهريب الرهائن في السينما، لقد قرر من البداية ألا ينظر بعيون الجيش الأمريكي، فالقرى المُعدة لاستقبال الصحفيين، تتطلب تبني رؤية معينة للأحداث، واختار يورجن أن يسمع من أصحاب الشأن هذه المرة، أولئك الذين يتفق على نسيانهم كل أطراف الحروب، ويدعي جميعهم أنهم يحاربون لمصلحتهم، بدأت الرحلة عبر الصحراء التي تضمنت العديد من نقاط التفتيش، ومئات الكيلومترات الصفراء التي سيقطعها يورجن رفقة عائلة أبي سعيد صوب مدينة الرمادي، تتمتع صحاري العراق بذاكرة فريدة، فرغم المجهود الذي بذلته قوات الاحتلال الأمريكية لإخفاء آثار الحرب، استطاعت الصحراء توثيق الجريمة للعابرين وللزمن.
مثلت أسرة أبي سعيد صورة مناسبة عن حال الشعب العراقي في هذه الحرب، لقد قُتل ابن أخيه مع عائلته في قصف عشوائي للطائرات الأمريكية، أما أخوه فقد زُج به في السجن لتعاونه مع المقاومة العراقية، وكعشرات الآلاف الآخرين من العراقيين، يكون مصيرهم إما أبو غريب، وإما جوانتانامو، حيث لا يلقي أحد بالًا لأي جحيم قد يصب على رؤوس هؤلاء السجناء.
بدأت معاناة الشعب العراقي منذ حرب الخليج الثانية، فباجتياح الكويت عام 1991م فتح صدام على العراق بابًا من العنف لم يوصد بعده، خسر العراق تلك الحرب ضد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وخرج منها دولة مغضوبًا عليها ومحاصرة اقتصاديًّا من القوى الكبرى، ولم ينته الأمر بعد، فمع تفجير البرجين في الولايات المتحدة عام 2001م، أعلنت أمريكا الحرب على العالم الإسلامي، وعلى رأس القائمة أفغانستان والعراق، كانت شائعات تورط العراق في هذا الهجوم غير مقنعة، لكن تبريرًا آخر كان جاهزًا، الذريعة هذه المرة هي استحواذ العراق على أسلحة للدمار الشامل، ورغم نفي فرق تفتيش الأمم المتحدة لهذا الادعاء، فقد كانت أمريكا مصرة على الغزو، وكان الاجتياح عام 2003م، صدق العراقيون أقوال قادتهم، وملأت تكهنات النصر وسائل الإعلام العراقية، وبينما كانت القوّات الأمريكية تجول في بغداد، ظن العراقيون أن نصرهم على وشك التمام.
الفكرة من كتاب لماذا تقتل يا زيد؟ قصّة حقيقة للمُقاومة العراقية
كان احتلال العراق عام 2003م، صدمة أليمة لجميع الباحثين عن العدالة حول العالم، لقد انتهك المعقل الحر ومبشر الديمقراطية جميع القوانين التي سنت وسوف تسن، وسُمي ضحايا العراق من المدنيين أضرارًا وخسائر جانبية، ثم أدت ترسانة الإعلام الغربية دورها المعتاد، الذي لم يكتفِ باللا شيء هذه المرة، لكنه قال ما شاء له البنتاجون.
من خلال قصة زيد ورفاقه في المقاومة العراقية، يقدم لنا يورجن تودينهوفر توثيقًا مضادًّا للرواية الرسمية، إذ يتبدل موضع الإرهابي والضحية، ونرى وجه المستعمر القديم الذي لم تتغير أهدافه كثيرًا، ويفسح مكانًا لقصة الطرف الآخر، نسمع مباشرة من الذين يناضلون من أجل تحرر شعبهم، إنها حكاية من حكايات معذبي الأرض.
مؤلف كتاب لماذا تقتل يا زيد؟ قصّة حقيقة للمُقاومة العراقية
يورجن تودينهوفر: كاتب سياسي وصحفي، وعضو بالبرلمان الألماني، وُلد بألمانيا عام 1940م، درس القانون في جامعات ميونخ وباريس، وبدأ عمله السياسي عضوًا في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، سافر إلى أفغانستان في أثناء الاحتلال السوفييتي، وعمل على جمع التبرعات لضحايا الحرب، كما كان من أبرز المنددين بحروب الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، من مؤلفاته:
من يبكي على عبدول وتانيا؟
أندي ومروة: طفلان جمعتهما الحرب.
عن المترجم:
حارس فهمي سليم: وُلد في محافظة سوهاج في مصر، حاصل على الدكتوراه في علوم الترجمة من جامعة الروم في ألمانيا، يعمل مدرسًا في قسم اللغة الألمانية في كلية الترجمة بجامعة الأزهر، شارك في ترجمة كتاب “أحلام الخليفة” من تأليف المستشرقة الألمانية آني ماريا شمل.