رحلةُ طبيبٍ
رحلةُ طبيبٍ
بين أروقة المستشفيات بدأت رحلةٌ من التأمُّل والتطلُّعات والصعوبات، إذ كان طالبًا في درجة الامتياز حين تفشَّى وباء الإنفلونزا الذي كان وباءً قاتلًا في ذلك الحين، حيث قضى على نحو عشرين مليونًا حول العالم، ثم أتت الحرب التي هيأت الجو لتكاثر البكتيريا التي تسبِّب الغرغرينا، كل ذلك مع عجزٍ في الإمكانيات الطبية، وعلى الرغم من ذلك فقد أصاب الطب حالة من الانفراج رويدًا رويدًا، فبدأ ورود تقارير مبشِّرة عن الشفاء من مرض الزهري عن طريق حقن الجسم بالملاريا ثم معالجتها بمادة الكينين، ثم قدَّم بعدها العلماء الألمان اكتشافًا لمركبات كيميائية قاتلة للبكتيريا دون إلحاق ضرر بالنسيج، هذا التطوُّر الحاصل في الطب كان مثارًا للمشاعر الغريبة، فقد ابتدأت رحلة الطب في وقت بدأت فيه ثروته،
وقد تم شهود اختراع البنسلين، ذلك الاختراع الذي جعل الدكتور براند يؤمن أن الألم محلُّه الذهن، ففي هذه الفترة كان هناك أحد الجنود المصابين حارب ببسالة في ساحة المعركة، كانت تصيبه حالة من الهلع أمام حقنة البنسلين الضخمة تلك، وعزَّز من هذه القناعة المشروع البحثي التشريحي الذي عمل عليه في تقدير ترابط الدماغ وبقية أجزاء الجسم البشري، وكذلك الحكمة الربانية في عزله عن سائر الجسد، كأنه صندوقٌ عاجي، فقد يبدو أننا مع الألم في حالة المفعول به، غير أن هذا الصندوق العاجي هو ما يجعلنا فاعلًا في الإحساس بالألم، والإصبع المبتور لا يؤلم إنما ما يؤلم هو الإحساس النابع من ذلك العقل، لذا لا يعني الطب بالعناية الجسدية فقط للمريض وإنما للعناية النفسية جانب كبير في مجابهة الألم، لأنه حالة ذهنية كاملة تستجيب لها الجوارح.
كان للدكتور براند تعقيب دائم على عملية تسكين الألم بالعقاقير أو الحقن، دون المعالجة الجذرية لمصدر الألم، فالألم في الجسم بمثابة استعارة للإشارات الدماغية من العضو المتضرِّر؛ إنه إنذار لا يجب إخماده بل معالجته.
أما فيما يخصُّ الطب في الهند فقد كان عالمًا واسعًا للإبداع في مقابلة التحديات من نقصٍ في الموارد الطبية، وعجزٍ في الطاقم الطبي، وكان للطب البدوي والتداوي بالموارد الطبيعية دور فعال جدًّا في رحلة الطب هناك، وكان أعمق وأهم هذه التحديات هو علاجُ الجُذام.
الفكرة من كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
هذا الكتاب بمثابة مذكرات شخصية للدكتور بول براند في رحلته التي تنقَّل فيها بين أعماق الفقر إلى أقصى أنواع الرفاه، وبين أحوال المجذومين في الهند، وأحوالهم في الولايات المتحدة، وقد حاول على طول هذه الرحلة الإجابة عن أسئلته المتعلقة بالألم، وفلسفته، وأثر غيابه في نفس الإنسان في مقابل غيابه من جسده.
مؤلف كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
بول براند: طبيب جرَّاح وُلِد في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1914م لأبوين تبشيريين بالديانة المسيحية، وقد كان من أهم الجرَّاحين المُساهمين في العلاج الجذري من مرض الجُذام الذي كان من أصعب الأمراض في ذلك العصر، نشأ في الهند مع أبويه ثم انتقل إلى إنجلترا لاستكمال دراسته، ثم عاد إلى الهند مجدَّدًا بعد أن أصبح جرَّاحًا، وأنشأ مشفى لعلاج مرضى الجُذام هناك، ثم عاد إلى الولايات المتحدة بعد 19 عامًا من العمل في الهند، وتوفِّيَ عام 2003م عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، وله من الكُتب: “الموسم الأبدي”، واشترك مع فيليب يانسي في كتاب: “في صورته”، و”صُنع بعجب وتفوُّق”.