راقب محيطك
راقب محيطك
بعد إدراك أي نوع أنت من الناس وتفهُّمك لرغباتك، فعليك احترام صفاتك الثابتة والسعي وراء بعض التغييرات، فالكون دائم التغير، لا وجود فيه للمثالية المطلقة ولا يصح تصنيفه وفق فئات ثابتة، وفي ذلك قال الفيلسوف اليوناني هيراقليطس: “لا يمكنك أن تخطو مرتين في النهر نفسه”.
بما أن التكرار يولِّد رتابة مملة، فالتغيير الدائم كذلك قد يقتلعك من جذورك، وهذا ما نلحظه عند كثيري الترحال والسفر، أو عند قاطني المدن الذين يعيشون في تغيرات سريعة تتبدَّل فيها حياتهم جذريًّا خلال عام واحد، فتترك فيهم إحساس الاغتراب عن كل ما حولهم، أما أهل الريف فنجدهم في ثبات دائم كأن الزمن لا يتحرك، وكلهم في حال من الألفة أو الانتماء إلى ما حولهم، إذًا النموذج الأول قد رأى أوجهًا كثيرة للحياة المتسارعة يوميًّا لكن دون انتماء، فضلًا عن الضغط الهائل اللازم لمواكبة هذه التطورات، بينما الأخير هو نموذج ثابت ومتأصِّل له جذور لكنه يفتقد معاني الحياة، ولا تستقيم المعيشة بنموذج واحد فقط، فالأفضل خلق توليفة تجمع بين النمطين، لأن المتناقضات جميعها تثري الحياة.
“ليست الأشياء مستحيلة، ولكننا لم نجرب الدواء الصحيح”، في هذه الجملة اختصر الكاتب وجهة نظره في العديد من المشاكل التي تواجهنا، وخلص إلى أن التأمل الصحيح هو الشفاء الحقيقي للروح لأنه يعينك على اكتساب صفات تؤهِّلك للتعامل مع المحيطين بسلامة صدر وفكر متقد، تلك الصفات هي: الصبر والوعي والإنصات والقدرة على وضع نفسك محل الآخرين، فكلما اتبعت النصائح المذكورة سابقًا أصبحت أكثر تهيئة للتأمل، بل سيصبح عادة سلوكية وستحصد ثماره مع الوقت.
لا تنس قارئنا العزيز أن تترك مساحة أمان تفصلك عن الناس، تلك المساحة -سواء كانت نفسية في تعاملاتك وعلاقاتك أو مكانية حيثما تقف أو تجلس- تتقلَّص بشكل يومي دون وعي منا، وكلما قلت زاد توترك الداخلي ونتج عنه أمراض كثيرة، والحل هنا هو أخذ نفس ثم زفير عميق تخرج معه كل الموتِّرات، ينصح بتكرار تلك العملية لسبع مرات كحد أقصى.
الفكرة من كتاب التأمل.. لماذا نتأمل؟ بل لمَ لا نتأمل؟
في مطلع الكتاب يقول جون أندروز الطبيب الشخصي لأوشو والذي رافقه حتى مماته:
“لقد أظهرت التجارب الأخرى أنك إذا تصنَّعت وجهًا تعلوه علامات الأسى لمدة ثلاثة أيام، تستطيع أن تجعل نفسك مكتئبًا تمامًا، إننا في جوهرنا ظاهرة خلق ذاتي”.
بينما تمضي الحياة تستمر عقولنا بالتشكُّل، وتتراكم فينا أحداث ومعتقدات تعيد تهيئتنا تدريجيًّا في كل الجوانب دون أن نلمحها، ولا يمر الوقت حتى نرى آثارًا سلبية نعتبرها مجهولة المصدر، لا نلبث أن نلوم عليها آباءنا أو مجتمعاتنا أو نلقيها على حادثة أليمة واجهتنا سابقًا، والحقيقة أن ما فعلناه هو التنصُّل من مسؤوليتنا تجاه عالمنا الداخلي، الذي انصرفنا عنه مركِّزين اهتمامنا على الأحداث الخارجية فقط، متناسين أننا نتاج أنفسنا، نبرمج دماغنا على افتراضات واستنتاجات فنتعايش معها ونبرهن على صحتها دون إدراك منا بحماقة ما نفعل، لذا جرت الكثير من الأبحاث في هذا السياق النفسي، وخلص الكثير منها إلى جدوى التأمل كحل علاجي حتى للوسواس القهري، فالتأمل نشاط تنساب الروح فيه متحررة عن حدود الجسد والمكان، لتستغرق في مراقبة الأمور ووضعها في مكانها المناسب، وهدف الكتاب هنا هو استعراض تصرفاتنا السلبية وكل ما ينغِّص صفو نفوسنا، للتعامل مع داخلنا والتحكم فيما نواجهه بعقلانية تضع الأمور في موضعها الصحيح للوصول إلى السلام النفسي بطرق بسيطة يسهل اتباعها.
مؤلف كتاب التأمل.. لماذا نتأمل؟ بل لمَ لا نتأمل؟
أوشو : فيلسوف هندي من مواليد عام 1931، اتخذ لنفسه عددًا من الأسماء المختلفة خلال حياته و”أوشو” هو الاسم البوذي الذي اعتمده منذ عام 1980، درس الفلسفة في الجامعة ثم التحق بالعمل فيها كمدرس عام 1957 بعد حصوله على الماجستير، خلال الستينيات تفرغ للتعليم الروحي وابتكر منهجًا يعتمد على التصوف والتقشُّف والتأمُّل والبحث عن الذات والحرية الجنسية في آن واحد، فاتبع فلسفته الكثيرون الذين تجمهروا حوله وجاؤوه من كل مكان، فضيَّقت السلطات الهندية النطاق عليه بمحاولة طعنه ومطالبته بالضرائب ثم منعت الناس من التوافد إليه، فارتحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليؤسِّس مجتمعًا خاصًّا مع أتباعه، لكن تصرُّفاتهم استفزَّت بلدية مدينة أوريجون، فوجَّهت إليه تهمًا كثيرة قضت بترحيله، ورفضت إحدى وعشرون دولة استقباله، فعاد إلى الهند وتوفي هناك عام 1990.
من أعماله:
التسامح.. رؤية جديدة تزهر الحياة.
الشجاعة.
معلومات عن المترجمين:
الدكتور محمد ياسر حسكي: مترجم وكاتب سوري الجنسية، درس في كلية الطاقة جامعة إركوتسك التقنية، وحاصل على الدكتوراه في الهندسة، كما أنه عضو الأكاديمية الدولية للسوجوك في الهند وعضو الأكاديمية الروسية للسوجوك، ومؤسس مدرسة الريكي: طاقة النور، له من المؤلفات كتاب: “الحب رواية عن التعلقات” بالاشتراك مع الكاتبة لينا مصطفى الزيبق، أما في الترجمة فله من الأعمال: “المركب الفارغ، لقاءات مع اللاشيء”، و”الدماغ الخارق”، وكتاب “أنا والرومي: السيرة الذاتية بقلم شمس الدين التبريزي” بالاشتراك مع المترجمة منال الخطيب وتحقيق: كارمن الشرباصي.
كارمن الشرباصي: شاركت الدكتور محمد ياسر حسكي في ترجمة عدد من الأعمال منها: “عملية الحضور: رحلة إلى داخل إدراك اللحظة الحالية”، و”التحول التانتري”، وكتاب “اللطف وآثاره الجانبية الخمسة”.