راحة الإنسان المكثف
راحة الإنسان المكثف
مثّل التصور الفكري لحياة غير مكثفة المخرج الوحيد للإنسان المُهلَك بفعل الكثافات، تصور تتساوى فيه الحياة مع نفسها، لأن الفكر لا يقاس استنادًا إلى كثافات، بل يقوم على مبدأ المساواة بين كل الأشياء، الشيء بالنسبة إلى الفكر ليس أكثر ولا أقل مما هو عليه، فهو يساوي نفسه تمامًا، يعزل بذلك الفكر موضوعاته عن كل إدراك ولا يلتفت إلى عامل الزمن، وتصبح قيم الحياة الحسية كالكثافة والتنوع قيمًا مقلوبة، لأن هويات الأشياء تتحدد عند خضوعها للفكر، إن جانب الفكر الذي يتدخل لتدعيم كثافة ما هو الجانب نفسه الذي يجمدها، فتأثير الروتين في الكثافة هو تأثير خلط الفكر والحياة في الإدراك.
يتيح الفكر للإنسان التحرر إما بخلاص ديني وإما بالحكمة، أنتجت معظم المجتمعات الإنسانية كالبوذية والرُّواقيَّة وَعْدًا خاصًّا بالحكمة يضم قواعد تقوم على الإضعاف البطيء للقيم المكثفة في الحياة، وتَعِد في المقابل بسلام روحي بعد التخلص من الكثافات. ويتركز الوعد الديني بالخلاص على التمسك بكثافة ذاتية بقيمة الصفر، من أجل أن تتحول في الحياة الأخرى إلى كثافة قصوى ونهائية. تدخلت الحكمة أو الخلاص في كل الوعود الفلسفية والدينية حتى نشأة الإيطقيا المكهربة التي جاءت لتقترح على الإنسان المعاصر معنًى جديدًا للحياة.
وبهذا يقف الإنسان أمام اختيارين، إما أن يتمسك بتكثيف الحياة والفكر، وإما أن يستسلم للوعود القديمة، وللخيارين النهاية نفسها، فالتمسك بكثافات الحياة يعني الرغبة الدائمة لمضاعفتها التي تنتهي بتأثير الروتين، وإنهاك الإنسان، وإشعال رغبته الدائمة في وضع نهاية للكثافات والتوق إلى حالة من السلام، أو الاستسلام لوعود الخلاص والحكمة التي من شأنها أن تخمد كل كثافات الحياة، أيمكن أن يكون هناك مخرج ما؟ ربما صورة كهربائية جديدة؟
الفكرة من كتاب الحياة المكثفة: هوس الإنسان الحديث
يعيش الإنسان حياته باحثًا عن الحياة، عن لحظات كهربائية تنعشه وتجعله يصيح “هكذا هي الحياة!”، صار الإنسان المعاصر سريع الملل دائم الرغبة في أن يجرب كل الشعور، وأن يملك كل شيء، وأن يعيش، لا يعيش فقط، بل يعيش بعمق وتنوع وجنون، وأن يعيش بكثافة.
يناقش الكتاب الكثافة باعتبارها مفهومًا فلسفيًّا، ويبحث سبب وكيفية اعتماد الإنسان عليها كنموذج حياتي، ويتطرق إلى مصير الإنسان المحتوم!
مؤلف كتاب الحياة المكثفة: هوس الإنسان الحديث
تريستان غارسيا: فيلسوف وروائي فرنسي، عمل أستاذًا في جامعة أميان، ويعمل حاليًّا مدرسًا مساعدًا في قسم الفلسفة بجامعة ليون، نُشر له عديد من الأبحاث في مجال الميتافيزيقيات.
من أعماله:
Form and Object: A Treatise on Things.
Hate: A Romance.
معلومات عن المترجم:
صلاح بن عيّاد:كاتب ومترجم تونسي، نُشر له عديد من المؤلفات والترجمات، من أعماله:
عودة الورود.
ارتعاشات النحات.
من ترجماته:
“قوة معادية”، لجون أنطوان نو.
“كلاب الحراسة”، لبول نيزان.