رائحة الشعوبية
رائحة الشعوبية
يتذكر السياب كيف خرج شيوعيو العراق -وأغلبهم من غير العرب- في حرب فلسطين 1948 يهتفون “نحن إخوان اليهود” وتسميتهم لدفاع العرب عن فلسطين بـ “الحرب الفلسطينية القذرة” لمجرد أن عاصمتهم الروحية -موسكو- أيدت الصهيونية! تزعزع إيمان السياب بالشيوعية وحزبها وبقي يرتقب أول خطأ من الحزب للثورة عليه، وسرعان ما جاء ذلك الخطأ، إذ أغضبهم إهداء السياب قصيدة “يوم الطغاة الأخير” إلى ثائر عربي -رغم تستُّرهم بالقومية العربية- فنشر مقطعًا من قصيدة أخرى لمسوا فيها اتجاهًا معاديًا للعرب مما أسعدهم.
ساءه هذا الموقف؛ فالشعوبية التي تحارب العرب منذ مقتل الصحابي عمر بن الخطاب إلى وقتنا هذا هي نوع من التعصب البغيض، ثم أضاف السياب إلى القصيدة تعليقًا يقطع على الشعوبيين طريقهم مما جعلهم يتهمونه بالجاسوسية، فهاجمهم وواجه بعض قادتهم الذين ارتكبوا فظائع أخلاقية من أمثال سكرتير الحزب “بهاء الدين نوري” الذي اغتصب الرفيقة “مادلين مير” مستغلًّا حاجتها إلى الاختباء من الشرطة.
لقد أغضبهم أيضًا ترجمة السياب لشعراء غير شيوعيين، فهاجموه، وكان رده: “إنني أخدم أمتي وأستهدف مصالحها، غير منتظر تعليمات تأتي من لندن أو واشنطن أو موسكو”، ولقد كانت الضريبة التي دفعها بدر شاكر السياب غالية، حيث كان معروفًا عند الحكومة بمعارضته وفكره الشيوعي، بينما هو كان قد بدأ في الانسحاب خطوة تلو الأخرى من الحزب وبدأ بنقده مما جعلهم يقودون حملة ضده، وفي نفس الوقت يحاولون جذبه تارةً أخرى إلى صفوفهم، ولقد عانى جراء هذه المطاردات المتشعبة وفُصل من عمله وكُتب عليه الترحال والتنقل من مكان إلى آخر حفاظًا على حياته.
الفكرة من كتاب كنت شيوعيًّا
“ليست كتابات الرفيق رائد التي فضح فيها الشيوعية والشيوعيين هي التي حفزتني على الكتابة، إنها فكرة ظلت تراودني منذ أمد بعيد، أن أكتب تجربتي مع الشيوعيين، كيف اعتنقت الشيوعية، وماذا رأيت فيها ومنها، وما الذي جعلني أصبح عدوًّا لدودًا لها.. وها أنذا أحقق حلمي اليوم!”.
بعد أكثر من أربعة عقود على وفاة الشاعر والكاتب بدر شاكر السياب، جُمعت اعترافاته التي نشرها عام 1959 في جريدة “الحرية” البغدادية في كتاب واحد، تلك الاعترافات التي ضمَّنتها شهادته على الحزب الشيوعي عندما كان بين صفوف الشيوعية لتبقى شاهدةً على التاريخ.
مؤلف كتاب كنت شيوعيًّا
بدر شاكر السياب: شاعر عراقي، ولد في الـ 25 من ديسمبر عام 1926 بالبصرة، يُعد واحدًا من أشهر شعراء العرب في العصر الحديث، أسهم في تأسيس مدرسة (الشعر الحر) برفقة مجموعة من كبار الشعراء، كما عمل مدرسًا للإنجليزية، ثم فُصل من وظيفته لميوله السياسية وأودع السجن، وفي سنة 1952 اضطُر إلى مغادرة بلاده والتوجُّه إلى إيران ثم الكويت، وقد فارق الحياة في الـ 24 من ديسمبر عام 1964 بالكويت بعد صراع مع المرض.
ومن أعماله الشعرية: “أساطير”، و”قيثارة الريح”، و”أزهار ذابلة”، ومن أعماله النثرية: “الالتزام واللا التزام في الأدب العربي الحديث”، ومن ترجماته: “ثلاثة قرون من الأدب”، و”قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث”.