ذكريات الماضي
ذكريات الماضي
إن الإنسان أسير ماضيه، فهو يتحرك وفق مجموعة من الخبرات والتجارب والمواقف المختزنة لديه في مستودع الذاكرة، والتي شكَّلت نظرته لواقعه المعايش، فعلى أساس هذا الزخم المتراكم يتحدد السلوك الإنساني، ولقد كانت إحدى نتائج التقدم العلمي في العصر الحديث هي سبر أغوار الشخصية البشرية والكشف عن مراكز التحكم بها في المخ، ومن ثمَّ أمكننا التعديل في بعض أنماطها، عبر العديد من الوسائل التي تراوحت ما بين العلاج السلوكي أو الأدوية والعقاقير والإثارة الكهربية لبعض مراكز الحس وأحيانًا التدخل الجراحي.
فالذاكرة وإن كانت مشتركًا عامًّا بين الكائنات الحية، إلا أنها تختلف في طبيعتها بين الأجناس المختلفة فتبلغ أرقى مستوياتها في الجنس البشري، كما أن البشر هم الجنس الوحيد الذي استطاع الاحتفاظ بذكرياتها وتسجيلها عبر طرائق مختلفة، ومن ثم أمكنه تداولها بين أفراده للاستفادة منها، فلولا تسجيل تلك التجارب المؤلمة ما كنا تعلمنا تجنب الفخاخ، ورغم أن عملية البحث في الذاكرة البشرية هي عملية معقدة، فإن الثورة العقلية آخذة في التقدم بخطى ثابتة لكشف طلاسم هذا الجانب الخفي من الطبيعة البشرية.
ومن هنا سارع بعضنا بدافع غريزة البقاء إلى محاولة زيادة قدرات البشر حتى يتسنى لهم مسايرة تلك الأنظمة الآلية مستقبلًا، فظهرت تقنيات التعليم المبرمج والاستعانة بإحداث بعض التغييرات في الأنماط السلوكية العصبية لتطوير عملية التعلم عند البشر، ومؤخرًا ظهرت شريحة شركة نيورالينك أو كما يُطلق عليها شرائح إيلون ماسك، وهي رقائق إلكترونية يتم زرعها في الدماغ البشري، يأمل القائمون عليها أن تعمل على تحسين القدرات البشرية، لا سيما تلك المتعلقة بالذاكرة والتخاطر الذهني مع البيئة الخارجية، وقد يفتح هذا التطوُّر وغيره العديد من التطبيقات النافعة في علاج الأمراض السيكولوجية، وبخاصة تلك المتعلقة بالشذوذ الذي قد يعتري التكوين النفسي لبعض الأفراد.
الفكرة من كتاب عقول المستقبل
يدرك الجميع أننا على مشارف تحوُّل ضخم يفوق في آثاره جميع مخرجات الثورة الصناعية السابقة، فمحاولات الوصاية على العقل البشري ومنعه حرية الانتقال نحو آفاق جديدة قد باءت جميعها بالفشل، من هنا كانت تلك القضية هي الشغل الشاغل للباحثين المعنيين بدراسة المستقبل واستشرافه، وتمثل تلك النقلة النوعية في التطوُّر التكنولوجي العديد من الآليات والأدوات والعلوم الجديدة المختلفة، وعلى ذلك فبدلًا من محاولة الارتكان إلى الماضي والتشبث به، علينا التسلح بخرائط عقلية جديدة لمواكبة المستقبل، ويعد هذا الكتاب باب الولوج لاستشراف المستقبل وشكل الحياة في الغد.
مؤلف كتاب عقول المستقبل
جون ج. تايلور: فيزيائي ومؤلف بريطاني، وُلد في الثامن عشر من أغسطس من عام 1931، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة كامبردج البريطانية، كما عمل بالوسط الأكاديمي في علوم الفيزياء الرياضية والذكاء الاصطناعي، حيث كان أستاذًا فخريًّا ومديرًا لمركز الشبكات العصبية في كينجز كوليدج لندن، وعالمًا زائرًا لمركز الأبحاث في معهد الطب في يوليش بألمانيا، توفي في العاشر من مارس من العام 2012.
له عدة مؤلفات منها: “السباق من أجل الوعي”، و”العقل: دليل المستخدم”، و”الثقوب السوداء: نهاية الكون؟”.
معلومات عن المترجم
د. لطفي محمد فطيم: مترجم مصري، حصل على شهادة الدكتوراه في علم النفس من جامعة عين شمس، عمل أستاذًا أكاديميًّا بعدد من الجامعات المحلية، كما أنه عضو في عدد من جمعيات علم النفس الدولية، وله مؤلفات منها كتاب “الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي”، وله بعض الترجمات، أبرزها: “أزمة علم النفس المعاصر”، و”نظريات الشخصية”.