ديوان العرب والمذاهب الفلسفية
ديوان العرب والمذاهب الفلسفية
يقول أبو تمام:
ولولا خلالٌ سَنَّها الشعر ما درى بُناة العلا من أين تُؤتى المكارمُ
فالعربي يرجع إلى الشعر ليتعرَّف منه الشمائل الفاضلة والقيم السائرة، ولا يرجع إلى الفلاسفة والزعماء؛ فالشعر أقرب إلى حسِّه وإدراكه من شروح الفلاسفة وحواشيهم، فالشاب طَرَفة والكهل حاتم بن عبد الله والشيخ زُهير بن أبي سُلمى، وتلك أمثلة ثلاثة: طرفة شاب غني يتيم، نبذه أهله، فاستقل برأيه، وهام يتمتع بالحياة على نحو ما أراد، لا يهاب الموت، يغامر في الصحاري ولا يخشى الأهوال، غير عابئٍ باللائمين:
ألا أيُّهذا اللائمي أحضرَ الوغى وأن أشهدَ اللذاتِ هل أنت مخلدي؟!
ومع إقباله على الحياة لم يرضَ لنفسه أن يكون دون أقرانه في النبل والشجاعة:
وإنْ أُدعى للجلى أكن من حماتها وإنْ يقبل الأعداءُ بالجهدِ أجهدِ
وحاتم الطائي مثال للسيد المتمثل لشيم العرب من الكرم والحلم، وضاربًا أروع الأمثلة في البذل للآخرين والتعفُّف عمَّا في أيديهم:
وأجعل مالي دون عرضي جُنَّةً لنفسي وأستغني بما كان من فضلي
وزهير شيخ مُجرِّب، عانى الحياة ومشاقها، وعاين الحرب والسلام ونزلت به الشدة والرخاء، وخَبَرَ الحوادث والأيام، فاستوفى مع العقل الحكمة وظهرت في شعره جليًّا:
ومن يجعل المعروف من دون عِرضه يَفره ومن لا يتقِ الشتمَ يُشتمِ
فكانت الشخصيات الحية في القصائد بمنزلة مذاهب التفكير والأخلاق عند الفلاسفة، وهكذا الشعر العربي متحفٌ حافلٌ بأنماط الحياة، والدين لم يصادمه لأن السامع يقف منه موقف المتفرج على المنظر الحسن، والشعراء ينطقون بما لا يعتقدون ويقولون ما لا يفعلون.
الفكرة من كتاب اللغة الشاعرة
تنفرد اللغة العربية بأنها لغة شاعرة، ليس لأنها صالحة لنظم الشعر فحسب، بل لأنها بُنيَت على نسق الشعر في أصوله الفنية والموسيقية، فهي بذاتها في جملتها منظوم منسق الأوزان لا ينفك عنها بأي حال من الأحوال.
في كتاب “اللغة الشاعرة” يطالعنا العقاد على أهم خصائص اللغة العربية وما تمتاز به عن سائر لغات العالم، وثراء حروفها ومفرداتها الفصيحة الصريحة التي تحمل بداخلها موسيقى خفية.
مؤلف كتاب اللغة الشاعرة
عباس محمود العقاد: كاتب وشاعِر، وفيلسوف، ومؤرِّخ، وصحفي، كان على رأس حقبة خصبة من تاريخ الفكر العربي في القرن العشرين، وعضوًا في مجمع اللغة العربية، وأسس مدرسة الديوان الشعرية مع صاحبيه المازني وعبد الرحمن شكري، واشتهرت معاركه الأدبية مع كبار أدباء عصره أمثال الرافعي وطه حسين وأحمد شوقي ومصطفى جواد، وقد ولد بأسوان عام ١٨٨٩ وتوفي عام ١٩٦٤.
من أهم مؤلفاته:
سلسلة العبقريات.
ساعات بين الكتب.
أنا (سيرة ذاتية).
التفكير فريضة إسلامية.