ديناميكا الكون
ديناميكا الكون
عندما قَدَّمَ “نيوتن” تفسيرًا رياضيًّا دقيقًا لقوى الجاذبية في الفضاء، أدَّى ذلك إلى ظهور تساؤلات عامة عن طبيعة الكون والمواد المكوِّنة له، حيث كان يُعْتَقَد حتى ذلك الوقت أن الكون ككل في حالة سكون، ولكن هذا النظام لا يمكن أن يصمد أمام قوي الجاذبية بين النجوم والأجسام الأخرى لأن هذا يعني أن جميع الأجسام لا بد أن يجذب بعضها بعضًا في مسارات حلزونية وتتصادم في النهاية، فما الذي يجعل الكون في حالة استقرار؟ البعض حاول الإجابة على هذا السؤال بافتراض أن قوى التنافر بين النجوم البعيدة تعادل قوى التجاذب بين النجوم القريبة، أو أن وجود عدد لا نهائي من النجوم في كون غير محدود يجعلها ساكنة لعدم وجود اتجاه مركزي للجاذبية، وحتى “أينشتاين” قدَّم في معادلاته ثابتًا كونيًّا مهمته إثبات هذا السكون، ولم يظهر مفهوم التوسُّع الكوني للوجود حتى بدأ العلماء بقياس الطيف الضوئي للنجوم للتعرُّف على المسافة التي تبعدها ودرجات الحرارة من أجل الوصول إلى صورة حديثة للكون يظهر فيها مُكوَّنًا من مجرَّات تتألف من ملايين المجموعات الشمسية مثل مجموعتنا “درب التبانة”، وأثناء ذلك لاحظ العلماء أن أطياف بعض هذه النجوم تنحاز إلى الطيف الأحمر فيما يعرف بـ”تأثير دوبلر”، والذي يفسر العلاقة بين السرعة والطول الموجي، فعندما يبتعد مصدر الموجات عن نقطة الاستقبال يظهر الطول الموجي أطول من المعتاد لأن مصدر الموجة التالية يصبح أبعد بعد كل ثانية، والعكس تمامًا يحدث عندما يتحرَّك مقتربًا، وفي عام 1965 استقبل العالمان “أرنو بنزياس و”روبرت ويلسون” أشعة كونية مصدرها إشعاع ذو طاقة عالية مصدره الانفجار العظيم، ولكنه تحوَّل بسبب تأثير دوبلر إلى أشعة ميكروويف منخفضة الطاقة.
كل هذا دفع العالم الروسي “ألكسندر فريدمن” إلى وضع شرطين لوصف الكون، الأول أن العالم يبدو متطابقًا في كل الاتجاهات، والثاني هو أن الشرط الأول متحقِّق في كل نقطة في الكون، ويفترض “فريدمن” ثلاثة نماذج للكون: أولها أن الكون سيستمر في التمدُّد حتى تقوم قوى الجاذبية بإبطاء معدل هذا التمدُّد حتى يتوقف وحينها يبدأ الكون في الانكماش، والثاني يشرح أن الكون يتمدَّد بمعدل سريع جدًّا بحيث لا تستطيع الجاذبية إيقافه، والأخير أن الكون يتمدَّد بمعدل بطيء يكفي فقط لمنع الانكماش، ولكي نتمكَّن من تحديد النموذج الأكثر ملاءمة للواقع فعلينا حساب ما إذا كانت كثافة “المادة المظلمة” في الكون تكفي لإيقاف التمدُّد، وتشير الحسابات إلى أن الكون سيظل في حالة تمدُّد حيث إن تلك الكثافة في الحقيقة أقل من الحد الأدنى بكثير.
الفكرة من كتاب تاريخ موجز للزمن
يتحدث ستيفن هوكينج في هذا الكتاب عن النظريات والتطورات الفيزيائية والرياضية التي شكَّلت مفهومنا عن العالم ونشأة الكون وكذلك التركيب الرئيس لأجزائه، والتي تم التوصُّل إلى أغلبها في القرون القليلة الماضية، ويبدأ الكتاب بتوضيح الأسس التي تميِّز النظريات العلمية عن غيرها، فالنظرية العلمية لا بد أن تُقَدِّم نموذجًا يفسر الظواهر الفيزيائية عن طريق مطابقة الشواهد العملية والتَنَبُّؤ بالكميات والمشاهدات المرتبطة بهذه الظواهر، وإذا فشلت النظرية في ذلك أو ظهرت أخرى أكثر منها دقة، فإنها تُتْرَك لعدم كفايتها، أما في حالة نجاحها فيُكتب لها النجاة مؤقتًا حتى توضع مجددًا تحت الاختبار.
مؤلف كتاب تاريخ موجز للزمن
ستيفن هوكينج: هو عالم الفيزياء النظرية، والرياضيات التطبيقية البارز بجامعة كامبريدج، وله أبحاث عديدة في علم الكون والعلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، ويشتهر هوكينج بين الأوساط العلمية بإسهاماته في تكوين نظريات عن التفرُّد الجذبوي the singularity، وإشعاعات الثقوب السوداء، وكذلك اهتمامه الكبير بمحاولة الوصول إلى نظرية موحَّدة لتفسير الظواهر الفيزيائية على كلٍّ من البعدين الكوني والذرِّي؛ لتُوَفِّق بذلك بين أهم ركائز الفيزياء الحديثة، النظرية النسبية وميكانيكا الكم.
معلومات عن المترجم:
مصطفى إبراهيم فهمي: مترجم مصري حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة القاهرة، والدكتوراه في الكيمياء الإكلينيكية من جامعة لندن، وشغل منصب عضو لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 1997، وله ترجمات عديدة في مجال العلوم منها: “الكون في قشرة جوز”، و”الجينوم – السيرة الذاتية للنوع البشري” وغيرها، كما أنه مُؤَلِّف لكتابين هما “قضايا علمية”، و”علوم القرن الحادي والعشرين”.