ديمقراطيةُ المُشاهدِ، وصناعةُ الإجماع
ديمقراطيةُ المُشاهدِ، وصناعةُ الإجماع
بصورةٍ عامة، يُقسَّمُ المجتمعُ الديمقراطيُّ إلى طبقتين:
الطبقةِ المتخصصة؛ وهم الرجالُ المسئولونَ الذين يقومونَ بالتفكيرِ والتخطيطِ للمصالحِ العامة، وهم أيضًا الذين يحللونَ وينفذونَ ويصنعونَ القراراتِ، ويديرونَ الأمورَ في النظمِ السياسيةِ والاقتصاديةِ وغيرِها، ثم طبقةِ المُشاهدِ للأفعال؛ والتي سمَّاها الكاتبُ بـ”القطيعِ الضال”، والذي يتمتَّعُ بوظيفةٍ ما في النظامِ الديمقراطي، تلك الوظيفة – حَسَبَ تصورِ ليبمان- تتمثَّلُ في كونِهم مشاهدينَ وليسوا مشاركينَ في الفعل.
بمعنى آخر، يُسمَحُ لهم بالقول “نحنُ نريدُك قائدًا لنا”؛ ذلك لأنهَّا ديمقراطيةٌ وليست نظامًا شُموليًّا؛ أي ما يُعرف بالانتخابات، وهكذا يتمُّ تصنيعُ الإجماعِ والقبولِ بالقراراتِ بواسطةِ فنِ الديمقراطية.
تحدثَ تشومسكي عما يسمى بـ “ديمقراطيةِ المُشاهِد”، وكيف تتمُّ صناعةُ الإجماعِ على فكرةٍ أو قرار؛ وأوردَ لنا ما يسمَّى عند المفكرِ ليبمان – أحدِ أبرزِ المحللينَ والصحفيينَ الأمريكيين – “نظريةَ الديمقراطيةِ التقدُّمية” بمعنى أنَّ الثورةَ في فنِّ الديمقراطيةِ تكمنُ في تطويعِ العامةِ بما يخدُمُ ما يسميه “صناعةَ الإجماع”، أو ما يُشبهُ عمليةَ أو مبدأَ الصدمة، لجعلِ الرأيِ العامِ يوافقُ على أمورٍ لا يرغبُ بها.
ووجهةُ النظرِ تلكَ ليست بجديدة؛ فهي تعودُ لمئاتِ السنين، وهي مطابقةٌ للمبدأ القائل: “إنَّ طلائعَ المفكرينَ الثوريين، لا بُدَّ وأن تستولي على السلطةِ عن طريقِ توظيفِ ثوراتٍ شعبيةٍ؛ كإحدى الوسائلِ التي من شأنِها أن تَدفعَ بهم إلى سُدَّةِ الحكم، ثم دفعِ الجماهيرِ تجاهَ مستقبلٍ غيرِ قادرينَ أو مؤهلينَ لفَهمِه، أو وضعِ تصورٍ له؛ لشدةِ غبائِهم وعدم ِأهليَّتِهِم لذلك.
الفكرة من كتاب السيطرةُ على الإعلام
يتناولُ الكتابُ دورَ الإعلامِ في السيطرةِ على الشعوب عن طريقِ صناعةِ الأخطار، وكيف تجعلُ البروباجندا العامةَ من الناس، تنساقُ وراءَ إملاءاتِ السلطةِ الحاكمة؛ لتتحولَ هذه الشعوبُ -مع الوقتِ- إلى دُمىً ساكنةٍ تكتفي بالمشاهدةِ فقط، لا تتفاعلُ مع ما يحدث حولها.
كما يستعرضُ الكاتبُ أيضًا، كيف يستطيعُ الإعلامُ القادرُ تغييرَ الأنظمةِ وإشعالَ الحروبِ، عن طريقِ الترويجِ لأخبارٍ كاذبةٍ لا أساسَ لها من الصحةِ؛ ليُشكِّلَ بها ما يشبهُ الصدمةَ الكبرى، التي تجعلُ المتلقي على استعدادٍ كاملٍ، لتصديقِ أيِّ شيءٍ يُعرضُ عليه.
مؤلف كتاب السيطرةُ على الإعلام
أفرام نعوم تشومسكي؛ أستاذُ لسانياتٍ وفيلسوفٌ أمريكي، وعالمٌ إدراكيٌ وعالمٌ بالمنطق، ومؤرخٌ وناقدٌ وناشطٌ سياسي.
ولد في السابعِ من ديسمبر 1928م ، في فيلادلفيا، بِنسِلفانيا، ويُعد من أبرزِ الفلاسفةِ والمثقفينَ في العصرِ الحديث، وهو أحدً مؤسسي مجالِ العلومِ المعرفية.
كتبَ “تشومسكي” عن الحروبِ والسياسةِ ووسائلِ الإعلام، وهو مؤلفٌ لأكثرِ من 100 كتاب، ولقبَ بـ”أبِ اللغوياتِ الحديثة”، يمكنُ وصفُ سياسةِ كتاباتِه الخاصةِ على نحوٍ واسعٍ أنها فوضويةٌ واشتراكيةٌ تحررية.