دولة الخوف.. شرطة الأخلاق
دولة الخوف.. شرطة الأخلاق
لم يكن بوسع المدنيين في إيران الاحتمال أكثر، ورأت شيرين معظم معارفها يهاجرون من البلاد، حتى عندما عادوا بعد ذلك، أدركت أن أولئك الأشخاص الذين عرفتهم سابقًا، قد ماتوا بالفعل، وفي النهاية استجاب الخميني لشروط الهدنة التي عاند فيها كثيرًا، وأضاف هذا العناد إلى فوضى الثورة، دمار الحرب، وباشرت القيادات استكمال أولوياتها مباشرةً بعد الحرب، وتأكيد أفكارها ورؤيتها للشعب الإيراني، ونالت العائلة نصيبها مرة أخرى عندما أُعدِم شقيق زوج شيرين بتهمة الانضمام إلى منظمة “مجاهدي خلق”، وبوفاة “آية الله الخميني” عام 1989م، جعلت تلك الأفواج التي شيَّعته، الجميع يتذكَّر يوم العودة من المنفى.
بعد تفرُّغ القيادة من الحرب، أصبحت الرقابة اليومية على حياة الإيرانيين خانقة أكثر من السابق، ووصل نفوذهم إلى أتفه التفاصيل، فقد تشكَّلت الشرطة الإيرانية أولًا من اللجان الثورية، ليتمثَّل دورها بعد ذلك فيما يسمى “الكميته” أو شرطة الأخلاق، ولم يُستثنَ أي أيراني من هذا النفوذ، ولكن التركيز الأكبر كان على النساء بالطبع، حيث تم تقييد تنقُّلهم، مع التدقيق على تفاصيل الملابس والزينة، ومع الوقت تعوَّد الإيرانيون وجودهم بسرعة واستطاعوا بأشكال عديدة تجنُّب مضايقاتهم، وكان الغرض في بعض الأحيان هو مجرد الترهيب وإرساء الخوف من القيادة، وجعل هذا العامة يسترجعون أيام الشاه مرة أخرى ورقابة “السافاك”.
لكن أيضًا وُجِدت هناك بدائل جديدة غير متوقعة من النظام الجديد، حيث ظهرت بعض الفرص التي لم تكن متاحة أمام جميع النساء في عهد الشاه، خصوصًا إذا ما تحدثنا عن مناطق إيران ومدنها الزراعية، إذ بقي أولئك الناس بمعزل عن الإجراءات السياسية، وأهملهم مُمثلوهم في الحكومة والبرلمان، لكن بعد الثورة صعدت تلك الطبقات إلى المؤسسات الجديدة، كانت شعبية “الخميني” تنحصر أكثريتها هناك، ولذلك تم استدعاؤهم في الانتخابات ولأي غرض شعبوي آخر.
الفكرة من كتاب إيران تستيقظ: مذكرات الثورة والأمل
عاشت شيرين عبادي في فترة قلقة للغاية من تاريخ إيران الحديث، حيث شهدت المؤامرة على حكومة مصدق في طفولتها، وشاركت في الثورة الإسلامية في شبابها، وعاينت لبقية حياتها نتائجها التي سترسم ملامح دولة إيران الحالية، شاركت شيرين التيار الحقوقي في متابعة جرائم القتل خارج إطار القانون، وحاولت فضح أذرع الحكومة الخفية التي استخدمتها لقمع الحركة الإصلاحية في إيران؛ إنها سيرة بدأتها الثورة وكادت تنهيها.
مؤلف كتاب إيران تستيقظ: مذكرات الثورة والأمل
شيرين عبادي: محامية وقاضية، وناشطة حقوقية، وُلدت شيرين عام 1974م بمحافظة همدان، في أسرة معروفة بنشاطها السياسي، التحقت بكلية الحقوق في جامعة طهران وحصلت على شهادة في القانون، لتعمل كقاضية وترأس المحكمة التشريعية قبل الثورة، عملت بعد الثورة محامية حقوقية، وتولَّت العديد من القضايا التي أحدثت صدًى واسعًا، حصلت على جائزة نوبل في السلام عام 2003م.
معلومات عن المترجم:
حسام عيتاني: كاتب صحفي وباحث لبناني، وُلد في بيروت عام 1965 م حيث تلقى تعليمه الابتدائي، وأكمل تعليمه الجامعي في روسيا، عمل في جريدتي “السفير”، و”الحياة اللندنية”، له مُؤلَّف بعنوان: “الفتوحات العربية في روايات المغلوبين”.