دور خطابات الشعب في تدعيم أسس العدالة
دور خطابات الشعب في تدعيم أسس العدالة
كانت خطابات الشعب إلى السلطة تعبيرًا عن الأحوال السياسية والاجتماعية الفوضوية التى عانى منها الشعب، أشهرها “خطابات شكاوى القروي الفصيح” التى عبرت بكل وضوح عن الأوضاع السياسية في الفترة التى كتبت فيها، فقد عكست مدى تمسك الشعب بتحقيق العدالة واستقامة السلطة، وكيف كانت حقوق المواطن المصري القديم معروفة ومحمية بموجب القانون والسلطة، ومن هذه الحقوق حق الشكوى والنقد، ومهمة السلطة الاستماع لهذه الشكاوى ونصرة المظلوم وإقامة العدل، وهذا دليل على أن النظام السياسي في مصر القديمة تأسس على عقد اجتماعي قائم على تطبيق العدالة.
وتدور خطابات القروي الفصيح حول شخص يدعى “خون إنبو”، عاش في قرية بالقرب من وادي النَّطْرُون، وقد قرر الرحيل إلى العاصمة إهناسيا ليحصل على المعونات لأسرته، ثم يعترض طريقه “جحوتي نخت”، وهو رجل جشع يعمل خادمًا لدى “رنسي مرو” حاجب الفرعون، ويقرر استغلال القروي والاستيلاء على حميره، وعندما رفض القروي اعتدى عليه جحوتي بالضرب، هنا قرر القروي أن يرفع شكواه إلى “رنسي مرو” الذي استمع إلى الشكوى، وسرعان ما نقلها إلى الفرعون “نِبْ كَاوْ رَعْ” الذي أصدر للحاجب توجيهاته بأن يرد للقروي حقه، وأن يعاقب جحوتي بالإضافة إلى إرسال المعونات الغذائية إلى أهله.
لقد كان خطاب القروي تشخيصًا لأهمية العدالة في المجتمع، وأن غيابها أشبه بمدينة بلا حاكم، فمن دون العدل يستغل كل شخص سلطته لمصالحه وتعم الفوضى، وقد وصف الشخص غير العادل بأنه بلا ماضٍ أو حاضر أو مستقبل، فليس له أعمال طيبة يتذكرها أحد، ولن يحب أحدٌ صداقته كما أنه سينال غضب الآلهة في الآخرة. وقد لخص الخطاب العوامل التي تلغي العدالة، وهي تجاهل المسؤولين لشكاوى المظلومين، وعدم السعي في تحقيق العدالة لهم والجشع الذي يقضي على الألفة بين الناس.
الفكرة من كتاب الخطاب السياسي في مصر القديمة
هذا الكتاب عبارة عن قراءة تحليلية لبعض النصوص التي توضح ملامح الفلسفة السياسية في مصر القديمة، فمصر أول من وضع دعائم الفكر السياسي وما ارتكز عليه من مبادئ كالعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وأول من سطّر مفهوم الدولة المركزية والفصل بين السلطات.
لقد أظهرت الخطابات السياسية المحفوظة إلى أي مدى بلغ النضج السياسي للمصريين القدماء درجة غير مسبوقة، وكيف كان الاحترام متبادلًا بين الحكام والشعب حتى في الفترات السياسية المضطربة. هذه الفلسفة الراقية التي لم يعرفها العالم سوى في العصر الحديث استطاع المصريون القدماء تطبيقها منذ آلاف السنين.
مؤلف كتاب الخطاب السياسي في مصر القديمة
مصطفى النشار: أحد أهم المفكرين والفلاسفة المصريين المعاصرين، ولد عام ١٩٥٣م بالقاهرة، حصل على الدكتوراه في الفلسفة بجامعة القاهرة، عمل عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم عميدًا لكلية العلوم الاجتماعية بجامعة ٦ أكتوبر، نجح في تطوير البرامج التعليمية في العديد من الكليات والجامعات المصرية، وحصل على عدة جوائز علمية، منها الجائزة التقديرية لأفضل كتاب من مؤسسة الأهرام عام ٢٠٠٦م. له أكثر من خمسين مؤلفًا في الفلسفة، خصوصًا الفلسفة اليونانية والفكر المصري القديم، منها:
نظرية المعرفة عند أرسطو.
فلاسفة أيقظوا العالم.
ثقافة التقدم وتحديث مصر.