دعائم المعجزة الاقتصادية الألمانية
دعائم المعجزة الاقتصادية الألمانية
رغم الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها ألمانيا جراء الحرب العالمية الثانية، فقد كانت هناك بعض الدعائم التي عدَّها البعض بمنزلة الركائز الأساسية التي ساعدت الألمان على إعادة بناء البلاد من جديد، فوفق نظر البعض نجد أن الدمار الشديد الذي نتج عن ويلات الحرب إنما تركز بصورة أساسية على الوحدات السكنية دون المراكز الصناعية للبلاد، مما جعل عملية إعادة ترميم تلك المراكز الصناعية أسهل بصورة نسبية مقارنةً بالأحياء السكنية، كذلك استفادت ألمانيا من خبراتها المتراكمة في العلوم والتكنولوجيا، فهي لم تكن مختلفة في هذا المجال، بل العكس هو الصحيح، وعلى ذلك كانت المتطلَّبات الأساسية لقيام قاعدة صناعية قوية متوافرة إلى حدٍّ ما.
فالثروة البشرية المدرَّبة والخبرة التكنولوجية المتراكمة كانت العصا السحرية التي غيَّرت اتجاه اقتصاد الألمان من الهبوط ناحية الانهيار إلى الصعود ناحية الازدهار وتحقيق طفرات نوعية في العديد من القطاعات، الأمر الذي جعل عملية النهوض الاقتصادي أشبه ما تكون بتوجيه طاقة اقتصادية كامنة في المجتمع ناحية التقدم الاقتصادي، فليس من الصعب الحصول على آليات إنتاجية قوية، ولكن تكمن الصعوبة في إيجاد العنصر البشري القادر على الإنتاج.
وعلى ذلك فالمتتبِّع لسير العملية النهضوية في البلاد، يجد أنها انتهجت مسارات تنموية محدَّدة بخطى ثابتة مع تحقيق طفرات نوعية في بعض المجالات التي كانت بمثابة القوى الضاربة للاقتصاد الألماني، الذي استطاع أن يحول بعض نقاط ضعفه إلى مصادر قوة، فالنقص الحاد في الكثافة الرأسمالية الألمانية دفعها إلى توفير مناخ ملائم لاستقدام المستثمرين لتعويض النقص في هذا المجال خصوصًا مع توافر طلب جذاب أثار شهية المستثمرين، كما لجأت إلى معالجة تأخُّرها في المجال التكنولوجي عبر استيراد التكنولوجيا من الدول المتقدمة، فضلًا عن الانفتاح على السوق العالمي وتوجه الاقتصاد ناحية التصدير.
الفكرة من كتاب التجربة النهضوية الألمانية.. كيف تغلَّبت ألمانيا على معوِّقات النهضة؟
كثير من الرجال الألمان قضوا نحبهم بعد الحرب العالمية الثانية فاختلَّ بذلك الميزان الديموغرافي للسكان، وهكذا أصبحت البلاد تعاني نقصًا حادًّا في أعداد الذكور، فكان على النساء الأخذ بزمام المبادرة لإعادة بناء البلاد من جديد، فخرجت تحمل بيدها رضيعها وبيدها الأخرى تزيح الأنقاض ومخلفات الحرب، حتى الأطفال قرَّروا أن يكون لهم دور في بناء الوطن، فكيف لا ينحني المرء تقديرًا وإجلالًا أمام مشهد كهذا؟!
نحن أمام مراجعة حية لمسارات التجربة النهضوية الألمانية من نواحٍ شتى، شملت المسارات التاريخية والسياسية والاجتماعية ولم تهمل كذلك الخلفيات الفكرية والبناء العقائدي، حيث تعرَّض الكاتب للظروف القاسية التي صاحبت عملية النهضة الألمانية، والإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية، فصار الأمر أشبه ما يكون بروشتة للإصلاح الاقتصادي يمكن للدول الأخرى الاستفادة منها.
مؤلف كتاب التجربة النهضوية الألمانية.. كيف تغلَّبت ألمانيا على معوِّقات النهضة؟
الدكتور عبد الجليل أميم: أستاذ جامعي وُلد عام 1968، تخرج في جامعة يوحنا جوتنبرغ بماينس، شعبة الفلسفة والبيداغوجيا، وحصل على الماجستير والدكتوراه في ذات التخصُّص، كما حصل على درجة الأستاذية في عام 2017، وتولى العديد من المهام الإدارية منها: محافظ خزانة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، ومدير مختبر سبل LCP (اللسانيات، التواصل، البيداغوجيا) بكلية الآداب منذ تأسيسه 2011 إلى الآن.
وله العديد من المؤلفات والكتب المنشورة منها: «منهجيات وأدوات منهجية تطبيقية للبحث والتحليل في الفلسفة والأدب والعلوم الإنسانية»، و«مدخل إلى البيداغوجيا أو علوم التربية»، و«الدين، السياسة، المجتمع.. في نسبية الطرح العلماني».