دروسٌ في الطريق
دروسٌ في الطريق
قال النبي ﷺ لأصحابه “أمهِلوا” بعد أن كان أذن لهم بالتعجل، إذ يراعي نوازعهم البشرية لكنه يرشدهم إلى مصالحهم، وذلك “لِكَيْ تَتَمشطَ الشَّعِثَةُ وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ” فتستعد النساء للقاء، ولئلا يباغت الرجل أهله كأنه يظن خيانتهم، وأخبر جابرًا أنهم حين يصلون صِرارًا -وهو موضع قرب المدينة- سيذبحون ويأكلون ليرتاحوا ثم يدخلوا المدينة في المساء وتكون العروس قد أصلحت البيت ونفضت الوسائد والنمارق، فقال: “واللهِ يا رسولَ اللهِ ما لنا مِن نَمارِقَ”، فبشره ﷺ قائلًا: “إنَّها سَتكونُ”، ونصحه: “أما إنك قادم، فإذا قدِمت فالكَيْس الكَيْس”، والكَيس هو الجماع والعقل، والمراد بذلك تذكير جابر أنه وإن تزوج لأمر معين فلا يمنعه ذلك أن يستمتع بزواجه وأن يؤدي حق زوجته بغير تعجل وينوي بذلك طلب الذرية التي تعمر الأرض وتكثر سواد المسلمين، وفي ذلك استقرار لحياته الزوجية.
ثم أراد النبي ﷺ أن يُعلم جابرًا من أمور البيع والمماكسة ويضبط سمة الحياء البارزة في شخصيته لئلا تكون سببًا في ضياع حقوقه، فطلب منه أن يبيعه جمله، فاستحيا وقال: “أهبه لك يا رسول الله” فقال ﷺ: “لا، ولكن بِعنيه”، قال: “فسُمني به”، فقال ﷺ: “قد أخذته بدرهم، قال جابر: “لا؛ إذًا يَغبِنُني يا رسول الله ﷺ”، فظل رسول الله يزيد السعر شيئًا فشيئًا حتى بلغ الأوقية وهي أربعون درهمًا، ورضي جابر، وأذن له أن يركبه حتى يصلوا”.
ولما عاد جابر أخبر زوجته بالحديث الذي كان، فقالت: “سمعًا وطاعة، فدونك”، وبات معها حتى أصبح، ثم أخذ الجمل إلى النبي ﷺ، فأمر بلالًا أن يزن له أوقية، ثم رد عليه جمله، هديةً له.
الفكرة من كتاب جابر بن عبد الله – في ظلال التربية النبوية
كانت شخصية جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) واقعية حقيقية وربما بدت عادية، كانت فيه سمات جيل الصحابة الفريد من الإيمان، والتوازن في العبادة، والعلم الحي، والعمل الدؤوب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع هذا الكتاب نعرف حكايته ونرى ما حظي به من التربية النبوية.
مؤلف كتاب جابر بن عبد الله – في ظلال التربية النبوية
محمد حشمت: كاتبٌ ومحاضر، حصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ثم حصل على ماجستير العقيدة الإسلامية من كلية العلوم الإسلامية بجامعة ميديو في ماليزيا.
من مؤلفاته: “الخلاصة في علم مصطلح الحديث” وسلسلة “في ظلال التربية النبوية” التي تضم الكتاب الذي بين أيدينا و”حذيفة بن اليمان” و”كعب بن مالك” و”الرميصاء” و”فاطمة” و”خوَّات” رضي الله عنهم.