درسُ الخط
أرادت رفيقتنا أن تعرف المزيد عن الخط بعد زيارتها لمعرض الخط بمتحف الفن الحديث في طوكيو، هناك رأت الحوائط مغطاة بآلاف الحروف السوداء، لم تعرف كيف تنظر إلى تلك اللوحات كفن أو كيف تتذوَّقها كما يفعل اليابانيون في المعرض، يتأمَّلون اللوحات، وينظرون إليها من كل الزوايا، ويصفونها مستخدمين كلمات استغربتها مثل “عنف”، “سريع”، “بطيء”، “وديع”، رغم أن اللوحات كانت كما تقول الكاتبة جامدة وأُحادية اللون كانوا يصفونها بمفردات الحركة والزمن، الأمر يشبه ما يستخدمه الشعراء اليابانيون من كلمات متخصصة بخط الكانجي في وصف الطبيعة، مثل كاتسوفوجيتسو التي تعني الزهر والطير والريح والقمر، وكوموريبي التي ترمز إلى أشعة الشمس التي تتخلَّل ورق الشجر، وشينجيو التي تعني أوراق الشجر الخضراء الجديدة في أول الصيف، وأيضًا السمة الشخصية التي أُطلقت على رفيقتنا: إيمي-يونَّا أي فتاة المطر، أو امرأة تجلب المطر معها أينما ذهبت، فقد أمطرت أكثر من المعتاد منذ وصلت إلى هوكايدو.
كان موعد درس الخط ليلًا، ضلَّت رفيقتنا الطريق إلى بيت معلم الخط في الظلام، فوصلت متأخرةً عشرين دقيقة، كانت حديقة بيته تميزه عن البيوت المجاورة، حديقة يابانية نموذجية تليق بمعلم الخط، أرضها مغطاءة بالحصى الأبيض وفيها شُجيرات البرباريس الشوكية وشجرة قيقب صغيرةٍ عند المدخل، فدخلَت مسرعة مرتبكة، خلعت حذاءها وارتدت قبقابًا، ثم سقطت على الزاباتون (وسادة الجلوس)، كانت متوترة، لكن المعلم العجوز ذا الثياب السوداء كان يُكرِّر مبتسمًا “خُذي وقتكِ”، وبدا أن أخذ الوقت أمرٌ مهم فعلًا في فن الخط، جهز المعلم أشياءها وتخير لها فرشاة وصحح مسكتها، كانت الغرفة مليئة باللوحات تذكِّرها بالمعرض في طوكيو، أرادت رسم كلمة كويو، أخذت تحاوِل وتكرِّر المحاولة، قدَّمت لها زوجة المعلم شاي الشعير، وحاولت ابنته الحديث إليها بالإنجليزية لكنها لم تكن تعرف الكثير، وكانت تتعجَّل فتفسد اللوحة، تبطئ فتكون النتيجة نفسها من الخطوط المفككة الناقصة، بدت محاولاتها أسوأ من خط طفلة يابانية، لكنها تتعلَّم، وقد رأت في الكانجي جمعًا بين اللغة والفن والمجاز.
الفكرة من كتاب المرأة التي تجلب المطر – مذكرات من هوكايدو، اليابان
إن كنت من محبي الرحلات بشكلٍ عام، أو من محبي الطبيعة والنباتات، أو كنت مهتمًّا بالثقافة اليابانية، فتعالَ معنا في هذه الرحلة مع رفيقتنا الكاتبة، لنتعرَّف على هوكايدو وطبيعتها وبعضٍ من أهلها، وعلى شيءٍ من غرائب اللغة اليابانية، وعلى الخريف الياباني المميز، والمزيد في رحلةٍ تجمع المتعة والفائدة.
مؤلف كتاب المرأة التي تجلب المطر – مذكرات من هوكايدو، اليابان
إلينيد جراميش، كاتبةٌ ومترجمة ويلزية ألمانية، ولدت في المملكة المتحدة عام 1989، درست الإنجليزية في جامعة أكسفورد، ودرست الكتابة الإبداعية في جامعة إيست أنجليا، وتدرس الدكتوراه الآن في جامعة آبريستويث، عاشت وعملت في اليابان فترةً بمنحة من مؤسسة دايوا، وتتحدث أربع لغات هي اليابانية والألمانية إضافةً إلى الإنجليزية والويلزية، وكتبت قصصًا قصيرة بالإنجليزية والويلزية، وترجمت رواية “Goldfish Memory” من الويلزية إلى الإنجليزية، وفاز كتابها “المرأة التي تجلب المطر” بجائزة الكتابة الجديدة في ويلز عام 2015.
معلومات عن المترجم:
عبد الرحيم يوسف، شاعر ومترجم مصري، ولد في الإسكندرية عام 1975، ودرس اللغة الإنجليزية في كلية التربية بجامعة الإسكندرية، وتخرج فيها عام 1997 وعمل مدرسًا لعشرين عامًا، وترجم العديد من التقارير مترجمًا حرًّا لمنظمات عالمية.
نشر سبعة دواوين بالعامية المصرية منها: “عفريت العلبة”، وعشرة كتب مترجمة منها “حلم ليلة منتصف الصيف” لويليام شكسبير، وفازت ترجمته لكتاب “ثلاث دراسات حول الأخلاق والفضيلة” لبرنارد ماندفيل بجائزة الدولة التشجيعية للآداب فرع ترجمة الأعمال الفكرية عام 2016.