دائرة الروتين
دائرة الروتين
يؤثر مبدأ التعود في كثافة كل ما يدركه الفرد، لأن استمرار التنوع يعني إضافة سمة الثبات إلى ما هو غير ثابت، ومع توافر طرق لا نهائية للتغير، فإن أي تغيير -مهما كان- يُدرَك في لحظته، ويصبح مع تكراره أمرًا ثابتًا، وهذا هو منطق “الروتين” الذي هو نفسه آلية إدراك كل الكثافات، وبذلك ما يدعم الكثافة هو نفسه ما يلغيها.
وقد يقضي الروتين على الإحساس بالتنوع أو التطور لأنه قادر على إدراك أي تغير ممكن، ولكنه لا يستطيع مقاومة الكثافة القصوى للمرات الأولى، فإن استغل الإنسان كل الفرص التي قد تتوافر له للشعور بأي تجربة للمرة الأولى، أو إعادة الإحساس بالتجربة كأول مرة، فستكون قوة المرة الأولى أقوى من الروتين، ومن الممكن الانخراط في عيش كل شيء كما لو كان للمرة الأولى، لكن من شأن ذلك أن يتحول إلى قاعدة ثابتة ويفتر الإحساس بالنهاية مع استناده إلى إحساس المرة الأولى مرات ومرات، كما تفتر كثافة المرة الأولى بفعل الروتين القاسي.
تيقن الإنسان المكثف أن الروتين حكم عليه بالنهاية نفسها مهما استعان بطرائق مختلفة للتجديد، ومع ذلك فإنه لم يستسلم في محاولاته لتنويع الكثافات وحمايتها، لأن حياته كلها تتوقف على الكثافة، وانتهى الإنسان المكثف محاصرًا بالروتين من كل جانب، ومهلكًا على إثر محاولاته للمحافظة على الكثافات، حتى صار يتمنى انتهاء الكثافة نفسها ليجد خلاصه النهائي، وبذلك يرجع الإنسان الحديث إلى الماضي!
الفكرة من كتاب الحياة المكثفة: هوس الإنسان الحديث
يعيش الإنسان حياته باحثًا عن الحياة، عن لحظات كهربائية تنعشه وتجعله يصيح “هكذا هي الحياة!”، صار الإنسان المعاصر سريع الملل دائم الرغبة في أن يجرب كل الشعور، وأن يملك كل شيء، وأن يعيش، لا يعيش فقط، بل يعيش بعمق وتنوع وجنون، وأن يعيش بكثافة.
يناقش الكتاب الكثافة باعتبارها مفهومًا فلسفيًّا، ويبحث سبب وكيفية اعتماد الإنسان عليها كنموذج حياتي، ويتطرق إلى مصير الإنسان المحتوم!
مؤلف كتاب الحياة المكثفة: هوس الإنسان الحديث
تريستان غارسيا: فيلسوف وروائي فرنسي، عمل أستاذًا في جامعة أميان، ويعمل حاليًّا مدرسًا مساعدًا في قسم الفلسفة بجامعة ليون، نُشر له عديد من الأبحاث في مجال الميتافيزيقيات.
من أعماله:
Form and Object: A Treatise on Things.
Hate: A Romance.
معلومات عن المترجم:
صلاح بن عيّاد:كاتب ومترجم تونسي، نُشر له عديد من المؤلفات والترجمات، من أعماله:
عودة الورود.
ارتعاشات النحات.
من ترجماته:
“قوة معادية”، لجون أنطوان نو.
“كلاب الحراسة”، لبول نيزان.