داء المادية والتكلُّف
داء المادية والتكلُّف
أصبحت المادية والمبالغة في التكلُّف الظاهري هما داء وآفة العصر الحديث وبخاصةٍ في المجتمعات الغربية، حيث أصبح من الصعوبة أن يُقام مجتمع على مفهوم البساطة في أمور حياته، فأصبحت الرغبات والزي والظهور بجمال معيَّن والبيوت والسيارات والمناسبات والأعمال كلها منغمسة في المادية والتكلُّف المبالغ فيه، الاستخدام في المجتمعات لكل شيء استهلاكي بحت، كما أنه ليس نوعًا من التبذير فقط، بل أيضًا هو تخريبي، فلن تجد أحدهم يقتني شيئًا إلا ويُخرب بعد مدة قصيرة من استهلاكه بشكل غير طبيعي، أصبحت النساء مهووسات باقتناء المجوهرات وأدوات التجميل الزائدة عن حدِّها والعناية بأجسادهن دون الاهتمام بشخصياتهن ولو قليلًا، وأصبح البحث عن الأناقة والرخاء المُفرط أسلوب حياة ضروريًّا لكي تحيا وسط المجتمع بشكل طبيعي.
على الرغم من أننا لو نظرنا إلى البساطة في كل شيء سنجدها حلًّا سهلًا لنا، فقد أصبح تكديس المشتريات نمطًا حياتيًّا دون النظر إلى ترتيبات أولويات شراء الأشياء وأهميتها، فلا نشتري الأشياء لأنها ضرورية وتزيد عن حاجتنا الطبيعية لكن فقط للتمَلُك والتكديس.
يقول شارلوت بيريان في كتابه حياة كلها إبداع: “عالم المعرفة غني جدًّا ليملأ حياتنا دون الحاجة إلى أن نضيف إليه تحفًا لا فائدة منها إلا الاستئثار بروحنا وأوقات فراغنا”، ولكي يتخلَّص المرء من كل ذلك ويختار البساطة عليه التخلي عن الأشياء الزائدة وغير المهمة حتى يشعر بحياة بسيطة وجيدة.
التحرُّر من الشراء والاستهلاكية يحتاج إلى قرار صارم من الفرد ذاته لكن المجتمع الذي نشأ فيه هؤلاء الأفراد الذين يفضِّلون قرار التحرر من الاستهلاكية والعيش ببساطة يعتبرهم استثناءً وخطرًا على الاقتصاد، لكن على الإنسان أن يتفكَّر للحظة ويختار الجوهر الذي يريد أن يحيا به، ويكتفي بالقليل الأساسي لعيش حياة بسيطة، ويعُدُّ قائمة بالمقتنيات التي تسهِّل عليه الحياة وتجعله أكثر سعادة، فاستغنِ عن فكرة أنك كلما مررت بشيء تشتريه، إذ يجب أن تكون حرًّا لا مملوكًا للشراء وأشياء فانية، وتعرَّف على نفسك من خلال ما تملكه واقتنع بقيمة الأشياء لا بالأشياء ذاتها.
الفكرة من كتاب فن البساطة
من آفات العصر الحديث وقوع المجتمع في فخِّ الاستهلاكية المبالغ فيه والإفراط، ونشأت المجتمعات الحديثة بأفرادها على هذه الأفكار حتى أصبحت سمة الحياة العامة، وبشكل خاص مجتمع النساء أصابته لعنة المبالغة والإفراط في الراحة والاستهلاكية، لكن تجد الكاتبة أن فضولها نحو المثالية دفعها لتكتشف حياة أخرى بسيطة في دولة مثل اليابان حتى اتصف نمط الحياة هناك بالبساطة والهدوء، حيثُ كما قالت الكاتبة عن التفكير الياباني بأنه “تقبُّل الحياة كما هي، دون السعي لمعرفة تفسير كل شيء وتحليله؛ تفحصه ونقده، وباختصار العيش على طريقة زن (هو فن الرسم بالألوان المائية)”، تأخذنا في رحلة حول اليابان ومفهوم البساطة التي جعلتها تحيا حياة بسيطة عظيمة، وتوضيح نقاط مهمة مثل المادية وكيفية الاكتفاء بالقليل ومعايير الأخلاق والجمال وغيرها.
مؤلف كتاب فن البساطة
دومينيك لوروا: كاتبة مقالات فرنسية تعيش في اليابان منذ أواخر السبعينيات، حيث تقدم ندوات لأولئك الذين يريدون تبسيط حياتهم، أصبحت معروفة بفضل كتابها “فن البساطة”، الذي نُشر عام 2005، تقول: “أنا لست كاتبة على الإطلاق”، فعندما بدأت في تأليف كتابها من ملاحظاتها الشخصية، كانت بعض المقاطع تستهدف النساء على وجه التحديد، والبعض الآخر إلى الرجال.
ولها عدة مؤلفات أخرى منها: “فن الجوهر: التخلص مما لا لزوم له لإفساح المجال لنفسه”، و”فن القوائم: تبسيط حياتك وتنظيمها وإثراؤها”، و”فن التوفير والسرور”، و”القليل اللامتناهي”.
معلومات عن المُترجمة:
الدكتورة لينة موفق دعبول: سورية الجنسية، وطبيبة تغذية، وألَّفت عدة كتب منها: “النوم والأحلام”، و”أساسيات في التغذية والحميات”، وترجمت “نصائح للأم بعد الولادة”.