داء السكري والمناخ
داء السكري والمناخ
عالمنا مليء بالعجائب، وتأملها يزيد من فهمك لهذا العالم العجيب، فهل سمعت من قبل بكائن له قدرة على تجميد نفسه تمامًا ثم العودة بعد ذلك إلى الحياة؟! يبدو الأمر مريبًا، أليس كذلك؟! إذًا فأنت لم تسمع بضفدع الأحراش من قبل، فبحلول الشتاء يخلد هذا الكائن في سبات عميق، ليس كبقية الحيوانات التي تلجأ إلى أماكن دافئة وتحافظ على درجة حرارتها من خلال طبقاتها الدهنية، بل يستسلم هذا الكائن للتجمد تمامًا، ثم تدب فيه الحياة بحلول الربيع، لقد اهتم العلماء بدراسة طبيعته، فوجدوا أن له قدرة رهيبة على تقليل نسبة الماء في دمه وخلايا أعضائه، وبدلًا من التخلص منها عن طريق التبول، يجمعها في بطنه، في الوقت الذي يبدأ كبده بإلقاء كميات هائلة من الجلوكوز في مجرى الدم، مدعومًا بإفراز كحول إضافي، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم بمقدار مئة ضعف، ما يقلل من درجة التجمد لأي ماء متبقٍّ في مجرى دم الضفدع، ويحوله بشكل فعَّال إلى نوع من مضادات التجمد السكرية.
ألا يبدو هذا مألوفًا لكم، ألا يشبه هذا مرضًا منتشرًا بكثرة هذه الأيام، لدرجة أن القاصي والداني قد سمع به، أجل، إنه مرض السكري، الذي يعد من أمراض الوراثة منخفضة النفوذ، أي إن الوارثة توفر الاستعداد للإصابة بمرض السكري، ومن ثم تحفزه مجموعة من العوامل الأخرى كالبيئة والغذاء والعدوى وغيرها. وهو على نوعين أساسيين: نوع يعد مرضًا مناعيًّا، والثاني ينتج نتيجة مقاومة أنسجة الجسم للإنسولين، وهذان النوعان يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بنمط الحياة، ونجد أن استعداد الإصابة بهما منتشر بين السكان، فلماذا قد نتوارث مرضًا من الممكن أن يؤدي إلى غيبوبة وجفاف عالٍ ومن ثم الموت؟ كما أن من مضاعفات المرض الإصابة بالعمى أو أمراض القلب أو السكتة الدماغية والأمراض المعوية التي تسبب الغرغرينا ومن ثم الموت!
إن السبب لإصابتنا بالسكري هو حمايتنا من خطر أكبر ألا وهو التقلبات المناخية، إذ مر على البشرية وقت انخفضت فيه درجة الحرارة بشكل كبير، فتجمدت البحار وتراجعت المساحات الخضراء، وفي غضون أقل من جيل، غدا كل ما تعلمه البشر عن سبل البقاء والصيد في مهب الريح، وأصبح آلاف من البشر صرعى إما بسبب التجمد وإما الجوع الشديد، لذا ولكي يتعامل الإنسان مع موجات الصقيع الشديدة، اضطر لرفع مستويات السكر في دمه، لتسمح له بمقاومة تلك التغيرات التي كادت تودي بحياة البشرية.
الفكرة من كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
إن من مميزات البشر الأولى وأهمها على الإطلاق التطور، ألسنا نتطور يومًا بعد يوم، أليست في أجسادنا القدرة على الاستمرار على قيد الحياة، إذًا أليس من المفترض أن تساعد عملية التطور على تخليصنا من الصفات الضارة وتعزز الصفات الحميدة؟! فكيف تنتقل أمراض خبيثة عن طريق التوارث إلى الأجيال التالية؟ ولماذا نصاب بالأمراض التي تودي بنا أو تجعلنا طريحي الفراش؟ ولماذا توجد أمراض تنتقل عبر الوراثة كالسكري وداء الصباغ الدموي وغيرهما؟ وما عمل الجينات؟ ولماذا قد يبدو التبرع بالدم عاملًا على تخفيف الألم عند بعض الناس؟
يتأمل هذا الكتاب المرضَ بصورة مختلفة، فبدلًا من طرح سؤال ماهية المرض، نقف على سبب وجوده، فلماذا وجدت الأمراض؟ وهل يمكن لمرضٍ من الأمراض أن يكون عاملًا لبقاء الجنس البشري في زمن من الأزمنة؟
مؤلف كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
شارون مولم: طبيب وباحث في علم الوراثة، حصل على الدكتوراه في علم الأعصاب من جامعة تورنتو الكندية، ساهم في اكتشاف عديد من الأمراض النادرة من خلال أبحاثه المهمة، كما أنه اكتشف خطًّا جديدًا من المضادات الحيوية ضد الميكروبات المقاومة للمضادات، وحاز 25 جائزة عالمية تقديرًا لإنجازاته المتنوعة، له العديد من المؤلفات، منها:
How Sex Works: Why We Look, Smell, Taste, Feel, and Act the Way We Do
Inheritance: How Our Genes Change Our Lives—And Our Lives Change Our Genes
The Better Half: On the Genetic Superiority of Women
جوناثان برنس: كاتب وممثل أمريكي ومنتج، ولد عام 1958 وشارك في إعداد هذا الكتاب.
معلومات عن المترجمة:
رغد قاسم: كاتبة ومترجمة عراقية، حاصلة على شهادة الماجستير في العلوم الطبية، كما نالت جائزة اتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2018، ولها عديد من التراجم، منها:
هل هم أغبياء لأنهم أذكياء.
موجز تاريخ الدماغ والروح.
التمييز الجنسي والعلم.