خِلافَةٌ رَاشِدَة
خِلافَةٌ رَاشِدَة
لمّا تُوُفِّيَ الرسول (ﷺ)، اجتمع الأنصار ليختاروا خليفة للمُسلمين، فما كان من أَبِي بَكْرٍ إلا أن مدّ يَدَهُ إلى عُمر بن الخطاب قائِلًا: “ابْسُطْ يَدَكَ يَا عُمَرُ نُبَايِعْكَ”، فأبَى سيدنا عُمر بن الخطاب المُبايعة، وقال لأبي بكر إنه أفضل منه، فأخذ بيده وبايعه هو أولًا، ثم تبعه بقية المُسلمين.
تولى أبو بكر -رضي الله عنه- الخلافة مُدة عامين، ثم مرض فتُوُفِّيَ، وكان قبل وفاته قد أوصى بالخلافةِ لِعُمَر -رضي الله عنه- وطلب من عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رضي الله عنه- أن يخرج على الناس فيسألهم عن رأيهم في هذا، فقالوا جميعًا: رضينا. فوصلَ حينها الخبر إلى عُمَر فذهب إليه ليُخبره هذه المرة أيضًا أنه لا حاجة لهُ بها، فأجابه أبو بكر: “وَلَكِنْ لَهَا حَاجَةٌ بِكَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ!” فتولى عُمَر بعدها الخلافة. وفي أول يوم له فيها صعدَ المنبر ليخطب في الناس، فبعد الحمد والثناء على الله، قال: “أَمَّا بَعْدُ، بَلَغَنِي أَنَّ النَّاسَ خَافُوا شِدَّتِي وَهَابُوا غِلْظَتِي، وَقَالُوا:
لَقَدِ اشْتَدَّ عُمَرُ وَرَسُولُ اللهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَاشْتَدَّ عَلَيْنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالِينَا دُونَهُ، فَكَيْفَ وَقَدْ صَارَتِ الأُمُورُ إِلَيْهِ؟! أَلَا فَاعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ هَذِهِ الشِّدَّةَ قَدْ تَضَاعَفَتْ، وَلَكِنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى أَهْلِ الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي عَلَى المُسْلِمِينَ، أَمَّا أَهْلُ السَّلَامَةِ وَالدِّينِ وَالقَصْدِ فَأَنَا أَلْيَنُ إِلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ”، وقد صدقَ -رضي الله عنه- في ما قال طوال مدة خلافته.
الفكرة من كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
“لَو كَانَ مِن بَعدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ”.. كيف لنا ألا نُصدِّق هذه العبارة في عُمر وقد قالها من لا ينطِقُ عن الهوى؟ قالها فيه رسول الله (ﷺ)، وكان من قبلها قد دعا: “اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَو بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ” فكان أحبُّهما إلى اللهِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وإذا بدعوةِ النبي (ﷺ) تنقلهُ من دارِ النَّدوة إلى دارِ الأَرْقَمِ!
لتبقى لنا سيرته خالِدة حتى اليوم دليلًا واقعيًّا يؤكِّد لنا ما قد يفعل الإيمان إذا نزل بقلبِ رَجُلٍ فَتَمَكَّن مِنهُ، فمن ذا الذي كان يُصدِّق أن الرجُل الذي يَصنَع من التمرِ صنمًا ليعبُده، هو نفسه الذي سيكون إسلامه فتحًا، وهجرته نصرًا، وخِلافتهُ رحمة؟ إننا هُنا بصددِ الحديثِ عن عُمَر، عُمَر هازِم كِسْرَى وقَيْصَر، ولكِنّه من قبل ذلك عُمَر صاحِب رسول الله (ﷺ)، وكفى بهذا شرفًا.
مؤلف كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
أدهم شرقاوي: كاتِبٌ فلسطيني الأصل، وُلِد ونشأ في مدينة “صور” في لبنان، حصل على دبلوم التربية الرياضية ودبلوم المُعلمين من الأونيسكو، وحصل على ماجستير في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية في بيروت، أُصدِر أول كتاب له عام 2012م، ثم تلاه عديد من المؤلفات، ومنها:
للرجال فقط! مبادئ للتعامل مع النساء.
أنتِ أيضًا صحابية.
رسائل من القرآن.