خُلق القُرآن
خُلق القُرآن
إن القُرآن لا يبني إنسانًا فحسب، بل يبني مُجتمعًا وعلاقات لأجل الإنسان، فيبين لنا القرآن أن العقيدة تنمو مع السلوك، فتبدأ سورة الماعون بقوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ يُكذِّب بالدين، يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، لقد جاء القرآن ليُعلمنا مهامنا الإنسانية.
ثم تأتي سورة الهُمزة بوزن يشد السمع ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ بإيقاعٍ قُرآني يُطهِّر الإنسان من التنابز ومن الهمز واللمز، تُنحي الأنانية جانبًا، فهذه النفوس حُرة مركزها حول الله، لا حول النفس، هذه نفوس تبني لا تهدم نفوسًا أُخرى، ونجد أن سورة المطففين تغرس في روح الإنسان معنى العدالة، وتبني فيه معنى استيفاء الحقوق، والاهتمام بالطرف المقابل في أدِّق التفاصيل، يقول تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾، وقد ورد في نفس السورة لفظ “الأبرار” والبر يعني كثير الخير، لتجعل تلك النفس المؤمنة عطَّاءة تعرف الكرم.
وتأتي سورة عبس لتُظهر جليًّا الكيفية التي يُصحح بها القرآن السلوك، الكيفية التي يرفع فيها القُرآن النفوس، ويهدم معايير ليبني معايير أُخرى، فها هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مُقبلًا يدعو زعماء قُريش، ويأتيه الأعمى ببصره؛ البصير بقلبه يطلب الهُدى، فتُضاء السماء له، وتنزل آيات تضبط فيها المعايير ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾، فهؤلاء يريدون ضبط مكة بأنسابهم، ولكن الله يُريد أن تُضبط مكة على مُتلَّقي حقائق القرآن، لذا كان الله مع الأعمى، ولم يكن مع من استغنى.
وفي لغة العتاب نفسها تتلَّقى الخُلق، فإن العتاب بضمير خفي، ففيه حسم وفيه حنو على محمد (صلى الله عليه وسلم)، وفي العتاب معنى لقادة هذه الأمة، أنه لا صمت على الخطأ، ولا بدَّ من النصح ليُصحح المسار إلى الغاية.
الفكرة من كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
إن الناظر في مواقف الصحابة (رضوان الله عليهم) وتغيُّر حالهم مما كانوا عليه قبل البعثة وحين نزل عليهم الوحي، يقف مُتعجبًا كيف تغير هؤلاء هذا التغيُّر المقابل تمامًا، كيف انقلب حالهم من الضلال والشرك إلى النور والتوحيد، كيف بعد أن كانوا أُمة لا تُذكر ارتفع ذكرهم في أرض الله بأكلمها، كيف بعد أن كانت حدودهم مكة وما حولها، صارت شموسهم تُشرق من كل اتجاه، فما سر هذا التغيُّر؟ وما سر قوَّته وتأثيره؟ إنه كلام ربِّ العالمين!
في هذا الكتاب تكشف لنا الدكتورة كِفاح أبو هَنُّود كيف بنى القُرآن تلك النفوس الجليلة من خلال تتبُّع السور المكيَّة التي شكلَّت أولى اللبنات التي قامت عليها هذه الأمَّة، لنحاول من جديد أن نستقي من نور الوحي، فإنه لا أثر للنص إذا انقطع عنه الفَهم.
مؤلف كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
د. كفاح أبو هنود: كاتبة أردنية الجنسية، حاصلة على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وهي الآن أستاذة جامعية، كما أنها ناشطة في العمل الشبابي والنسائي في دول عدة، وقد أسست عددًا من البرامج التربوية.
من مؤلفاتها:
في صحبة الأسماء الحُسنى.
التوظيف الحداثي لآيات المرأة: جمال البنا نموذجًا