خُطوتكُما الأولى
خُطوتكُما الأولى
في اللحظة الأولى التي تحمِلُ الأُم فيها وليدها، أغلب النساء يشعرن بعدم الثقة، وبعض الخوف، هذه المشاعر تستمر حتى إلى ما بعدَ ذلك، وهذا طبيعي جدًّا، لأنها تجربة مختلفة تمام الاختلاف عن كُل ما مرت به أمٌّ أو مر بِه أبٌ في حياتهما، لِذا ينتابهم الهلَع لأبسط مشكلةٍ قد يمُرَّانِ بها مع هذا الصغير، وبخاصَّة الأم، ومهما كانت الانطلاقة مختلفة مِن مشاعر أمومةٍ غامرة دفعةً واحدة أو مشاعر تتنامى شيئًا فشيئًا، إلَّا إن أغلب الأُمَّهات يعجَزن أمام الضيق من جدوَل الأعمَالِ المزدحِم، وتختلف الكثير من مشاعِر الاضطراب والضيق، وتتعدَّد أسبابها، لكنَّ هذه المشاعر طبيعيَّة، تمرُّ بها جميع الأمَّهات، لعلَّ هذا يدفعُ جانبًا من الشعور بالوحدة والذنب.
هذا الكائن الصغير المُحب الذي بالكاد يملأ الكفَّين، طفلٌ فريد، ومختلفٌ تمامًا حتى عن إخوته، وإن كان بالإمكان تعدِيلُ سلوكه، إلا إنه لا يمكن تعديل طباعِه الخاصة، بل إنه يحتاج إلى حُبٍّ وتقبُّل هذهِ الطِّباع، ومحاولةُ تغييرها هو سيرٌ في اتجاهٍ خاطئ، لا يحذو حذو التربية القويمة.
تبدَأُ مرحلة الطفولة المُبكِّرة من لحظةِ الولادة إلى السنة الأولى من عُمر الطفل تقريبًا، أولى اللحظات خارِج الرَّحِم هِي أولى لحظات المعرِفة واكتشاف الطفل لذاتِه، تبدأُ مع بداية هذهِ الرحلة حاجةُ الطفل المُلحَّة إلى الغذاء، ومصدرُ الغِذاء الأوَّل والأهم هو حليبُ الأم، وإذا عجزت الأم لأي سبب كان عن إرضاع وليدها من ثديها، فبلا أي شعورٍ بالذنب يمكنها إرضاعهُ بالرضاعة الصناعية، لكن على الرغم من ذلك لِتكُن حريصة على ضمِّه لها أثناء عمليَّة الرضاعة، أمَّا في توقيت تغذية الطفل فإذا آمنت الأُم باختلاف طفلها وتميُّزه عن أقرانِه، ستؤمن بسهولة أن من الإجحاف تقنين ميعاد تغذية طِفلها لأن رغبته في الغذاء حتى تختلف عن كُل طِفلٍ آخر، وشعور الجوع بالنسبة للطفل شُعورٌ مُنهك، لا يَحبَّذ أن يتعَلَّم الصبر من خلالِه في هذهِ المرحلة العُمريَّة، ومن ثمَّ تأتي حاجة الطُفل الثانية: الدِّفء، والثالثة: النوم، وهي حاجة يتولَّاها الطفل بنفسِه، لكنَّ المبالغة في الهدوء والصمت المصطنعين، يجعل الطفل غير قادرٍ على النوم إلَّا في هذا الوضع، والحاجة الرابعة: التخلُّص من الفضلات، ولا ينبغي أبدًا محاولة تدريب الطفل على التخلُّص من الحفَّاض في هذهِ المرحلة، أما الحاجة الخامسة فهي المُلامسة أو راحة الاحتضان، والخلل في تلبية هذهِ الحاجة يُنتِج قدرًا لا بأسَ بهِ من الهشاشة النفسيَّة لدى الأطفال.
الفكرة من كتاب طفلك قبل سنِّ السادسة: السنوات المصيرية
إن الأمومة مهنةٌ مميزة، لا يُقابلها في صنوف المِهن ما يُماثلها من أربعٍ وعشرين ساعةً من العمل بلا انقطاع، ولا تتقاضى الأم في المقابل أجرًا ماديًّا، أو تتلقَّى تدريبًا مُسبقًا في تجربة عمليَّة، حتى إنه لا يمكن اختزال هذا العمل في جملة محدَّدة، بل إنَّهُ مزيج من المعرفة المُطبَّقة مع عطفٍ ورعايةٍ وحنان، وعمليةٌ مستمرَّة من التعلُّم، غير أن المشكلة تكمُن في أن التعلم فيها إن كان بارتكاب الأخطاء في أحيانٍ كثيرة لا يمكن تلافيها مرة أخرى مستقبلًا، لِذا أعظم هديَّة يمكن أن تُقدِّمها الأم للبشرية طفل سوي سعيد.
هذا الكِتاب موَجّه إلى الأمهات اللواتي أنجبن مسبقًا ولديهنَّ طفل في عُمر ما قبل السادسة، أو أن تجربة الأمومة هذه هي تجربتهنّ الأولى، وفي كل الأحوال لا يُمكن تربية الأبناء لمُجرَّد قراءة كِتاب، بل إن التطبيق العملي، مع فهم اختلافات أطفالِها، وظروف معيشتها، هو المزيج المُراد تحقيقه من عمليَّة التربية.
خصَّ هذا الكتاب السنوات الست الأولى بالاهتمام، لأنها على عكسِ السائد ليست سنوات تكوينيَّة عاطفيَّة بحتة، وإنما هي سنواتُ تكوين عاطفي وعقلي وذهني، وقد عالج الكِتاب فكرة أساسية، وهي المفهوم الذاتي للطفل عن نفسِه.
مؤلف كتاب طفلك قبل سنِّ السادسة: السنوات المصيرية
فيتزهيو دودسون: عالِم نفس أمريكي، وُلد عام ١٩٢٣م في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند، وتُوفِّي عام ١٩٩٣ عن عُمر يناهز السبعين عامًا، له العديد من المؤلفات، وتُرجِمت أعماله إلى عدَّة لغات منها: كتاب “How to parent”، و”How to father”.
المترجم: زياد زيد الأتاسي