خيانة المثقف.. السلام قبل الشرف
خيانة المثقف.. السلام قبل الشرف
لقد كان مثقفونا مشغولين حقًّا، وكان الضغط عليهم في تلك الأوقات واضحًا في سرعتهم وإهمالهم للكثير من الأشياء وفتح الموضوع تلو الآخر، يبدو أن الجميع أراد تصفية الأمور على شاكلة اتفاق غزة _ أريحا، وكان على المثقفين تقديم هذا الخيار مع تفسيرات أخرى ووجهات نظر جديدة لتاريخ الصراع بالكامل، كان يجب تقديم السلام متواريًا وطرحه على أنه ضروري ولا بديل عنه.
وقد تصدى الدكتور سعيد النجار له من هذه الناحية، فقدم اقتراحات لشكل التعاون الاقتصادي بعد إنهاء المقاطعة بالطبع، وبسبب العجلة والانشغال يبدو أن الجميع قد نسي ما هي إسرائيل بالضبط، وإلى ماذا يهدف مشروعها، ويبدو أيضًا أن هناك سببًا آخر لرفض شعوب العرب للعلاقات مع إسرائيل.. هل هي مشكلة نفسية يا ترى؟
لقد كان العرب على صلة غير جيدة بكل ما يأتيهم عبر البحر دائمًا، فلماذا لا يعمل هذا التفسير مرة أخرى؟ ولكن كان على صاحب هذا التفسير أن يسأل نفسه بجدية: ألا يولد كل هذا القتل والتهجير والعدوان المتتابع على مدى قرن أو يزيد حاجزًا نفسيًّا ورفضًا نهائيًّا لأي شيء يمت للغرب أو للإسرائيليين بصلة؟
ولكن ليس من هذه التفسيرات والحجج ما هو ضروري حقًّا.. هل سنموت من الجوع أو ننعزل عن بقية العالم من دون إسرائيل؟ هذا غير منطقي، ولكن لأن هؤلاء المثقفين من نوع خاص فقد وجدوا الحل النهائي والرد الدامغ لكل حجة يُمكن طرحها ضد أي تفاعل مع إسرائيل، إنها مرحلة اللا بديل، لا يوجد غير حل واحد حتمي وإسرائيل دائمًا هي مركز هذا الحل، كان الجميع في عجلة من أمره ودعوات التعاون تتهافت من جميع النواحي. لقد أراد الأمريكيون والإسرائيليون إنهاء الأمر بأقصى سرعة وتحويل الشرق الأوسط إلى طبيعته الجديدة كثور مدفون بكامله ولا يظهر منه غير قرنين مكسورين، وقد وجدت هذه الدعوات ببغاوات أخرى تكاد لا تختلف إلا في اللون، تتكلم بصوت واحد وبكلامٍ واحد وغايتها واحدة: السرعة لتبادل لتلك الأحضان المفتوحة واغتنام الفرص أيًّا كان ما نتركه خلفنا أو نضحي به هناك، لقد تنافس العرب وقتها كما لم يتنافسوا أبدًا، ولم يدروا أنهم سيبكون ولن يعرفوا على أي شيء.
الفكرة من كتاب المثقفون العرب وإسرائيل
إن التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي والحركة الصهيونية باعتبارها مجرد مرحلة عابرة في تاريخ حروب مصر الطويل هو سطحية متعمدة لا ينبغي إحسان الظن بها، يحدثنا الدكتور جلال أمين عن تعريف النصر والهزيمة وعن طبيعة الحروب التي دخلها العرب منذ بداية الصراع، ويحاول إيجاد تفسيرات جديدة لتلك الهزائم التي ربما لم يرد أحد وحتى نحن أن ننتصر فيها، ويتطرق أيضًا إلى هذا النوع من المثقفين الجدد وكيفية تعاطيهم مع الدعايا الإسرائيلية، أو حتى مبادراتهم المبتكرة في تلك السوق التي لا تترك لأحدهم مجالًا حتى ليستر نفسه.
مؤلف كتاب المثقفون العرب وإسرائيل
جلال أمين، وُلد عام 1935م، هو ابن الاديب والمفكر المصري أحمد أمين وواحد من أهم الكتاب والمفكرين المعاصرين، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة ونال درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن، عمل أستاذًا للاقتصاد بكلية الحقوق جامعة عين شمس والجامعة الأمريكية بالقاهرة، كان مهتمًّا في كتاباته بالجانبين الاجتماعي والاقتصادي ورصد التغيرات التي تجري للمصريين في هذين الجانبين، ومن أهم كتبه:
خرافة التقدم والتخلف.
ماذا حدث للمصريين؟
عصر الجماهير الغفيرة.