خلية عزيز باشا المصري والانبهار بالسوفييت
خلية عزيز باشا المصري والانبهار بالسوفييت
كنَّا في فترة الشباب نحمل أفكارًا سطحية تغلب عليها عواطف الشباب وحماستهم، إلى جانب الكراهية التي نحملها للاستعمار البريطاني، ورأينا في نجاح غزو إيطاليا للحبشة (إثيوبيا) دلالة على تفوق الفاشيست على الدول الاستعمارية، وظلت أفكارنا مع الألمان، إذ كنَّا نود هزيمة الإنجليز الذين سامونا الذل، حتى لاحت هزيمة النازية والفاشستية، وهزَّنا انتصار الاتحاد السوفيتي بقيادة ستالين، وأخذنا نُراقب هذا الانتصار، ونبحث في الفكر الذي قاد إليه، وحصلنا على مرجعيات ومواد حول الماركسية واللينينية والستالينية، وقد واظبتُ على دراسة الماركسية، وشدني الكثير من أدبياتها خصوصًا أنها تعتمد على العلم والاقتصاد، لكن ظلَّت هناك فرضية مهمة لم يستطع عقلي أن يُسلِّم بها وهي أصل الكون المادي، فالمادية تفترض وجود المادة ثم تطورها، وكنت أسأل نفسي: من ذا الذي أوجد هذه الكمية الهائلة من المادة التي تكوّن منها هذا الكون؟ فالمادية تفرض وجود المادة وتبني نظرياتها، ولا تبحث في منشأ الوجود! كما لم أتصور إمكانية قيام ديكتاتورية البوليتاريا (الطبقة العاملة) في مصر، ومع ذلك فإن الماركسية لها الفضل في الاهتمام الكبير بالعدالة الاجتماعية، وأهمية تكافؤ الفرص، والتركيز على العلم في فهم طبيعة الأشياء.
كنت قبل ثورة 23 يوليو ضمن خلية مكونة من أربعة أفراد من عدَّة خلايا سرية تابعة للفريق (عزيز باشا المصري)، وقد كان عزيز المصري ضابطًا تركيًّا مشهودًا له بالكفاءة والشجاعة، شارك في العديد من الحروب مع الجيش التركي في البلقان واليمن وليبيا، وكان يُلقّب ببطل برقة، إذ دافع عنها أمام الجيش الإيطالي، كان رجلًا ثوريًّا، وواسع الثقافة، ولديه تصميم على تغيير الأوضاع السائدة في العالم العربي، وقد تولى عدّة مناصب في الجيش المصري، مثل مفتش عام الجيش المصري، ورئيس أركان الجيش المصري، وكان يُنمِّي فينا التوجه لاغتيال الجنود الإنجليز والحلفاء بحيث نجعل القوات الإنجليزية تشعر بقوة المقاومة وخطورتها، وكانت خلايا الضباط الأحرار على اتصال به، وقد استطاع جمال عبد الناصر أن يوحِّد تلك الخلايا في إطار جماعة واحدة، وكانت مجموعتي هي إحدى خلايا جمال عبد الناصر، قامت ثورة يوليو وكان عزيز المصري بمنزلة الأب الروحي للثورة، وكانت طلباته مجابة من جانب مجلس قيادة الثورة، لكن في ما بعد وجد المجلس أن طلباته لا تتماشى مع مبادئ الثورة، فتقرر تعيينه سفيرًا في بون في ألمانيا الغربية، وكنتُ سأسافر معه، إلا أنه قبل موعد السفر في عام 1953 قطعت مصر علاقاتها الدبلوماسية مع ألمانيا ردًّا على تقديم الأخيرة تعويضات لإسرائيل شملت معدات عسكرية، فتغيَّر القرار من تعيين عزيز المصري سفيرًا في بون إلى تعيينه سفيرًا لمصر في موسكو.
الفكرة من كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
يذكر الدكتور مراد غالب في مذكراته التي بين أيدينا العديد من الأحداث والمواقف التي شهدها وعايشها خلال توليه العديد من المناصب الهامة في الدولة المصرية خلال فترة حكم عبد الناصر والسادات.
مؤلف كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
مراد غالب: هو طبيب مصري، تخرج في كلية الطب، وحصل على درجة الدكتوراه، وعمل أستاذًا للأنف والأذن والحنجرة بجامعة الإسكندرية، كانت له علاقة صداقة قوية بعددٍ من الضباط الأحرار، وكانت له أنشطة وطنية قبل ثورة 23 يوليو، وقد أقنعه الرئيس جمال عبد الناصر بترك الطب والدخول في العمل السياسي، عمل في العديد من المناصب، أهمها، العمل سكرتيرًا ثالثًا للسفارة المصرية بموسكو بالاتحاد السوفيتي، ثم مستشارًا للرئيس جمال عبد الناصر، ثم وكيلًا لوزارة الخارجية، ثم سفيرًا لمصر بالكونجو، ثم سفيرًا لمصر بموسكو منذ عام 1961 إلى عام 1971، وفي عهد الرئيس السادات شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم وزيرًا للخارجية، ثم وزيرًا للإعلام، ثم وزيرًا للوحدة بين مصر وليبيا، ثم سفيرًا لمصر بيوغسلافيا، وفي نوفمبر عام 1977 قدَّم استقالته احتجاجًا على زيارة الرئيس السادات للقدس وتوقيعه معاهدة السلام، وفي عام 1988 انتخب رئيسًا لمنظمة الشعوب الأفروأسيوية وظل في هذا المنصب حتى وفاته عام 2007.
لعب دورًا كبيرًا في توطيد العلاقات وتقويتها بين مصر والاتحاد السوفييتي، وقد حصل على وسام (بطل العمل الاشتراكي) وهو أحد أرفع الأوسمة بالاتحاد السوفييتي.