خلافة الفاروق.. بداية الدولة المنظمة
خلافة الفاروق.. بداية الدولة المنظمة
يبدو أن عمر كان من تلك الطينة التي لا يريحها ترف الحياة ولا تخضع لسعتها، أتته الخلافة فما زادته إلا زهدًا ولا زادت حاله إلا تقشفًا ولا أهله إلا مشقة، كان يتذكر حال النبي وأبي بكر فيشفق من أن يكون حاله أيسر من حاليهما، وكانت له تجارة قبل خلافته يستطيع أن يمارسها مع الخلافة وينفق على أهله منها، ولكنه خاف أن يظن الناس هذه السعة من مال المسلمين، فاستشار أصحاب النبي في نفقته ففرضوها له من بيت مال المسلمين، وجاءت بداية خلافة عمر والحرب حامية في العراق، وأدرك الفرس أن العرب لم يعودوا بتلك السذاجة المعهودة، فجمعوا لهم وأرهبوهم بما لم يره العرب في الحروب من قبل؛ الفيلة المقاتلة التي كانت ترهق المسلمين أشد الإرهاق، وعلى الجبهة الأخرى من الحرب في الشام اتخذ عمر ذلك القرار الذي طالما أشار به على أبي بكر، وعزل خالدًا من إمارة الجيوش وأمَّر أبا عبيدة، إلا أن أبا عبيدة لم يشأ أن يهدم نظام الجيش قُبيل المعركة الحاسمة، فكتم أمر عمر حتى كُتب للمسلمين النصر.
لم تكن حرب الفرس بتلك السهولة فبجموعهم التي لا تنفد ودولتهم المُترامية أجهدوا المُسلمين في مُتابعتهم، وود المسلمون لو تكون هناك معركة حاسمة بين الطرفين حتى ينتهي هذا العناء، وأُتيحت لهم معركة القادسية التي أحرزوا فيها نصرًا بعد معارك ضارية وجهد جهيد أدى المسلمون ما عليهم فيه وأيدهم الله بنصره، ثم توالت الفتوحات في عمق أراضي الفرس وساح المسلمون فيها لا يقف أمامهم شيء حتى فتحوها جميعها، كانت هذه الحروب المُتتالية تتيح للمسلمين كمًّا هائلًا من الغنائم والأموال، وتتجه دون انقطاع نحو المدينة، وكان على عمر أن يجد طريقة جذرية لتوزيع هذه الأموال ومثيلاتها في المستقبل، فأخذ مشورة أصحاب النبي ثم قرر أن يدون الدواوين، وأن يرتبها بحسب القرابة من رسول الله وأن ينزل الناس درجات بحسب قدمهم وبلائهم في الإسلام وحب رسول الله لهم، كان هذا بالطبع نظامًا ثوريًّا في تاريخ العرب وربما لم تسبقهم أمة في تطبيقه على هذا المقياس، الذي يضمن لجميع مواطني الدولة على اختلاف أعمارهم ومراتبهم رزقًا دوريًّا لا يمنعه منهم أحد ولا يشاركهم فيه أحد.
الفكرة من كتاب الشيخان
لقد حظيت فترة حكم الخليفتين عمر وأبي بكر (رضي الله عنهما) باهتمام كبير طوال تاريخ المسلمين، ذلك لأنهما كانا أسوة حسنة لمن تلاهما، فاقتفوا أثرهما راجين أن يُوفقوا في اتباعهما، هنا يتتبع طه حسين سيرة الشيخين في الجاهلية والإسلام، مبرزًا أهم التحديات التي واجهتهما، وكيف كانت مواقفهما منها، وكيف أقاما بنيان دولة ظلت قواعدها راسخة لمئات السنين.
مؤلف كتاب الشيخان
طه حسين، عميد الأدب العربي ومن أبرز الأسماء في الفكر الحديث، ولد في محافظة المنيا عام 1889، وتلقى تعليمه الأولي في الأزهر ثم في الجامعة المصرية التي حصل فيها على الدكتوراه في الفلسفة، ثم أوفد إلى جامعة مونبلييه بفرنسا ليكمل دراسته وأبحاثه بها ويعود إلى مصر، ليُعين أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية.
دائمًا ما أثارت مؤلفات وأطروحات طه حسين الجدل وما زالت تثيره حتى يومنا هذا، ومن أبرز مؤلفاته:
ذكرى أبي العلاء.
في الشعر الجاهلي.
الفتنة الكبرى.
الأيام.
مستقبل الثقافة في مصر.