خطوة تجاه التصنيع
خطوة تجاه التصنيع
لم يعطَ عبد الفتاح مكافأة نهاية الخدمة للشابين، فرغب عنتر في شكوته، إلا أن صديقه رفض لما قدمه الرجل من خير مسبقًا وأنهما قد يحتاجانه، وبالفعل عادا إليه لتمويل محلهما بالبضائع وأخذها بسعر أقل. اتخذ المحل الجديد من “العربي” اسمًا له، وحقق نجاحًا كبيرًا منذ اليوم الأول، فتنبأ الجميع بثقلهما في السوق، لكن الفرحة لم تكتمل لمرض عنتر وعجز الأطباء عن مداواته فمكث في المنزل عامين حتى وفاته، وأدار محمود بمعاونة من أخويه محمد وعبد الجيد (رحمهما الله) المحل، ما أثار حفيظة الشريكين الآخرين اللذين رفضا الاستمرار مع عنتر المتغيب، لكن صديقه المخلص رفض حل شراكته وطلب منهما مراعاة ظروف المبتلي، واستمر محمود على رأيه –رغم رفضهما- وحفظ نصيب صديقه حتى بعد وفاته.
انقضت الشراكة بعد صراعات وشد وجذب انتهت بشراء محمود لمحل أكبر احتفظ فيه بنسبة صديقه المرحوم التي صانها لأبنائه اليتامى وقام بكتابته باسم أخويه –محمد وعبد الجيد- وبمساعدة كبيرة من الحاج عبد الفتاح قام بشراء المحل من الأخوين عباس شركائه السابقين، واستمر النجاح المتزايد حتى لمع اسم العربي وتوافدت الحشود عليه بفضل جهود الإخوة مجتمعين.
اعتمد العربي على خطة ناجحة، فالبضاعة التي تنجح تجارتها يبدأ في السعي لتصنيعها، واتجه إلى صناعة ألوان الشمع بمساعدة خبير، وأنشأ مصنعًا صغيرًا أسماه: “الشركة الفنية لصناعة الألوان المدرسية”، وحققت تلك الشركة نجاحًا باهرًا أخذ بالتراجع بعد ظهور أنواع جديدة من الألوان لكنها واكبت السوق، فكلما انتشر منتج سابقوا لتصنيعه، واستعانوا بالدعاية الإعلانية وأغاني الأطفال، وخلق منتج منافس بأشكال مختلفة، في فكرة رائجة لأن يسابق التاجر نفسه في سلعته فيزداد الطلب على كلتيهما.
لم تتوقف نشاطات العربي عند هذا الحد، فكانت نصيحته الخالدة هي استمرارية السعي والتوكل مهما كانت العقبات، وأن تبدأ بالتغيير دون الخوف من الفشل ما دمت تبذل ما يتطلَّبه هدفك.
الفكرة من كتاب سر حياتي: حكاية العربي
من طفل يتاجر في قروشه المعدودات إلى ملياردير جل همه توظيف أكبر عدد من العاملين ليكون لهم عونًا وسببًا بعد الله (عز وجل)؛ إنه رجل الأعمال المصري والاقتصادي المحترف، رئيس اتحاد غرف تجارة مصر “محمود العربي”، الذي أسر الجميع بحسن خلقه وأسسه القويمة، مع انتماء غير مسبوق إلى أصله البسيط ونشأته الدينية في قرية أبو رقبة بالمنوفية، كتب قصته مذ كان في الخامسة من عمره بشقاء وكد لا يعرف الاستسلام، وبتضحيات حقيقية تخلو من كل رياء وتكلُّف وزهو، بل يزينها الصدق والأمانة وحفظ الحقوق كمفاتيح سرية لكسب القلوب ونيل البركة، وقد نجح في ذلك حتى كانت جنازته (رحمه الله) مهيبة غير مسبوقة يعتصرها الألم على المفقود، وها نحن نستدرك أجزاء من حياته علَّنا ننتفع بما تركه من أثر طيب ومنهاج في الإدارة والأخلاق والتجارة على حد سواء، ثم نترحَّم عليه وندعو له بخير الجزاء، فسيرته الحسنة هي رزق من الله لعبده، وعمر آخر لا يفنى بفناء الجسد.
مؤلف كتاب سر حياتي: حكاية العربي
خالد صالح مصطفى السيد: كاتب ومهندس ومستشار إعلامي من مواليد القاهرة عام 1962، حاصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة عام 1985، وقد شارك في كثير من الأعمال متباينة المجالات كوضع مناهج تربوية وبرامج ترفيهية وتنموية لعدد من رياض الأطفال بالقاهرة، وكتابة السيناريوهات والمسرحيات والمقالات وتنفيذ ورش العمل الفنية والتنموية، فضلًا عن مهام الإشراف على تطوير مجلة نقابة المهندسين المصرية.