خطوات نحو الديمُقراطية
خطوات نحو الديمُقراطية
لا بدَّ للمجتمع السياسي الديمُقراطي الناجح من أسس يُبنى عليها لتحقيق فضائله التي ذكرناها سابقًا، وأول هذه الأسس هو المناقشة والتجربة التي تهدف إلى إدراك حلول ووجهات نظر جديدة وزيادة المنسوب الذهني للشعوب وإطلاق الحركات الإصلاحية، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة: مثل حالة أوروبا في العصر الذي تلى عصر الإصلاح الديني مُباشرةً، والحركة الفكرية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، والاختمار الفكري الذي حدث في ألمانيا في عهد جوته وفخته،حيث تميَّزت هذه الفترات بالقضاء على الاستبداد الذهني وإتاحة المجال لطرح أفكار التجديد والتطوير، ويرى الكاتب أن هذه الأحقاب الثلاث هي التي جعلت أوروبا على ما هي عليه الآن، وأننا إذا تتبَّعنا أي إصلاح موجود الآن لوصلت جذوره إلى هذه الأحقاب.
أما الأساس الثاني فهو التنوُّع والفردية، وترك الاحتكام إلى العادات والتقاليد بأسلوب أعمى يقضي على الإبداع والقوة الفردية، وهنا نستطيع أن نرفض نظرية كلفن القائلة إن “الإرادة الذاتية هي خطيئة الإنسان الكُبرى”، بل نقول إنها هي التي تُحافظ على إبداع الفرد وتملؤه بأفكاره ومُعتقداته التي تُمثِّل كينونته، وتمحو إشكالية سطوة الجماهير واستبداد الأغلبية عن طريقة إتاحة فرصة الظهور للمرموقين من أعلام الفكر والمُبدعين، الذين يبعثون الحياة في الوجود بإبداعهم، فكلما كانت حياة الفرد أكثر امتلاءً واستقلالية، كانت حياة المُجتمع الذي هو مجموع الأفراد أكثر امتلاءً وإنتاجيَّة، كما عبَّر الكاتب.
ويضرب مِل مثالين مُتابينين يوضِّحان أثر استبداد العادات في الشعوب، أوَّلهما أفراد الشرق، الذين كانوا يومًا أعظم أمم العالم وأقواها، ومن ثم تحوَّلوا بفعل استبداد العادات إلى أتباع ورعايا، وعلى نقيضهم أبناء أوروبا، الذين وصفهم بأنهم الآن عائلة متقدمة، بدلًا من أن تكون قسمًا راكدًا ثابِتًا من الجنس البشري، لا لامتياز فائق فيهم، وإنما لتنوُّعهم وقبول الخير الذي يُقدِّمه الآخر، وإن كانت مُجتمعاتهم لم تسلم من التعصُّب.
الفكرة من كتاب فقه الديمقراطية
يعرِض هذا الكتاب معنى الديمقراطية وأبجديَّتها الأولى كما وضعها معلِّمو الديمقراطية الكبار، من أمثال جون ستيوارت مل، وجون ديوي، وشارلس فرانكل، وكارل بوبر، فيقول إن الديمقراطية هي المُناخ الصحي للنبتة البشرية المُبدعة، التي تميل بطبيعتها إلى الخلق والابتكار لا التكرار أو التقليد الميِّت، وهي الخيط النفيس الذي ينسج رداء الحرية، الرداء الذي تسعى كل الشعوب السوية إلى ارتدائه، بعيدًا عن جُبَّة التبعيَّة العمياء أو اليوتوبيا اللامنطقية.
مؤلف كتاب فقه الديمقراطية
الدكتور عادل مُصطفى: كاتب وطبيب نفسي مصري، حصل على بكالوريوس الطب والجراحة في يونيو 1975، ثم التحق بعد ذلك بكلية الآداب قسم الفلسفة ليحصل على درجة الليسانس بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وكان الأول على دفعته طوال سنوات الدراسة، كما حصل على ماجستير الأمراض العصبية والنفسية من كلية الطب جامعة القاهرة عام 1986، وكنتيجة منطقية لهذه الدرجات العلمية المرموقة قدَّم للمكتبة العربية ثلاثين كتابًا في الفلسفة والأدب وعلم النفس والطب النفسي، بعضها نتاج أبحاثه ودراساته مثل: “العولمة من زاوية سيكولوجية”، و”المغالطات المنطقية وفهم الفهم.. مدخل إلى الهرمنيوطيقا”، وبعضها الآخر ترجمات لكتب فلسفية عالمية.
حاز جائزة أندريه لالاند في الفلسفة، وجائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة عام 2005.