خطوات أسلمة المعرفة
خطوات أسلمة المعرفة
يشترط في من ينتمي ويؤلف في إسلامية المعرفة عدة شروط؛ أولها: التمكُّن من الرؤية الإسلامية ومقاصدها العامة، والخاصة في نطاق موضوع البحث، وثانيها: التمكُّن من المعرفة المعاصرة في أعلى مستوياتها العلمية وخلفياتها الفلسفية، وثالثها: القدرة على الإبداع لتُمكِّنه من إعادة صياغة العلوم صياغة إسلامية، تصلح لأن تكون بديلًا معرفيًّا، فمثلًا: من أراد التأليف في علم النفس من منظور إسلامية المعرفة عليه أن يستدعي مقاصد الإسلام فيما يتعلق بالإنسان، وسلوكه وعلاقاته ودوره الاستخلافي، ثم يستحضر -على سبيل الحصر- نصوص القرآن والسنة المتعلِّقة بموضوعه الذي يدرسه حول أطوار خلق الإنسان، وتطوُّر دوره فيها، وينفتح من هذه المرجعية على كل ما في تراث المسلمين من حكمة تخصُّ موضوعه، ثم يستصحب هذه الرؤية في إعادة نقد وتفكيك مجمل التراث الإنساني في هذا الموضوع.
قد ينتقد بعض المتابعين لهذا المشروع هذه الشروط والخطوات التي من الصعوبة بمكان ليقوم بها أي أحد؛ ويأتي الرد في صورة أنه إذا كان في نفس المسلم المتعلم أو الأستاذ شك في قدراته أو عدم قدرته على الاشتباك مع مصادره الأصلية من قرآن وسنة، ومع تراثه الإسلامي فلا يحق له أن يُطلق على نفسه عالمًا أو متعلمًا، فماذا استفادت الأمة من كثرة النقول والترجمات التي استمرت طيلة ما يقرب من قرن من الزمن؟! ليس سوى ترجمة لأجل التدريس، عملت على مسخ العقل المسلم، وجعلته تابعًا في فكره وإنتاجه لما ينجزه الغرب.
إن إسلامية المعرفة تُعنى أكثر ما تُعنى بتخريج نخبة منتجة للعلم النافع الذي يحقِّق الفاعلية العلمية للإنسان المسلم من ناحية، ويسعى إلى تخليص مجتمعاتنا الإسلامية من الأزمة الفكرية التي تحول بيننا وبين التقدم، وأسهم في تعميقها فصل التعليم الديني عن التعليم المدني.
الفكرة من كتاب مقالات في إسلامية المعرفة
أدَّت تراكمات الاستعمار الأوروبي لشعوب وبلدان العالم الإسلامي إلى تغريب ثقافة هذه الشعوب، وجعلها منفصلة عن أي سياق تاريخي أو ديني أو جغرافي محلي، وهيمنت بفكرها الوافد على شتى مظاهر حياته ومعرفته، مُحاولةً أن تجعل منها نسخة باهتة من نمط الحياة الأوروبي، فأصبح يُنظر بعين الريبة والشك إذا أُدخل مصطلح إسلامي إلى أي شيء! فإن الزي الإسلامي، والآداب الإسلامية في الطعام والشراب ودخول المنزل والخروج منه يعد المتمسِّك بها تقليديًّا وضد الحداثة، ويرفض التقدم!
وإزاء ذلك ظهرت حركات تنادي لا بأسلمة نمط الحياة فحسب ولكن بأسلمة العلوم والمعارف المختلفة الاجتماعية منها والطبيعية، وجعلها أكثر قربًا من واقع المسلمين المُعاصر بعمقه التاريخي والحضاري، ومستمدة من الوحي مصدرًا للمعرفة إلى جانب العقل، آخذة في الاعتبار ما في التراث الإسلامي من اجتهادات تستحق النهل منها لا من الغرب وحسب.
مؤلف كتاب مقالات في إسلامية المعرفة
فتحي حسن ملكاوي: أستاذ جامعي متخصص في العلوم التربوية، وبخاصةٍ من منظور إسلامي، ولد في الأردن عام 1943، وعمل بعد حصوله على البكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا من جامعة دمشق، في وزارة التربية والتعليم الأردنية خلال الفترة من عام 1966 حتى 1978، ثم بعد حصوله على الدكتوراه في التربية من جامعة ميشيغان الأمريكية عمل في التدريس الجامعي في كلية التربية وكلية الشريعة بجامعة اليرموك بالأردن في الفترة من 1984 حتى 1996؛ ليتفرغ بعد هذا التاريخ للبحث والتأليف في إسلامية المعرفة، وإدارة المشروعات المختلفة للمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
له عدة مؤلفات، منها: “منظومة القيم المقاصدية وتجلياتها التربوية”، و”نصوص من التراث التربوي الإسلامي”، و”البناء الفكري: مفهومه ومستوياته وخرائطه”، فضلًا عن عددٍ من الأعمال المُحرَّرة منها على سبيل المثال: “نحو نظام معرفي إسلامي”، بالإضافة إلى العديد من الدراسات المنشورة، كما تُرجمت بعض مؤلفاته إلى اللغة الإنجليزية.