خطابات النبوءة وتصورات عن اليوتوبيا
خطابات النبوءة وتصورات عن اليوتوبيا
كانت هذه الخطابات عبارة عن تنبؤات الحكماء بدولة مثالية في المستقبل يحكمها ملك عادل وقوي ويسودها الرخاء والسعادة، وقد بُنيت على ما ورد في التاريخ المصري القديم عن قوة الدولة المصرية وازدهارها بفضل تحقيق العدالة. ويذكر الكاتب نموذجين من هذه الخطابات هما: “نبوءات الحكيم إيبور” و”نبوءات الحكيم نفروهو”.
“نبوءات الحكيم إيبور” التي بدأت بوصف الأوضاع السياسية والاجتماعية المضطربة في أواخر عهد “بيبي الثاني”، جراء الصراع الطبقي والثورة الاجتماعية التي دمرت بنية الدولة. ويبدأ خطابه للملك بالحديث عما آلت إليه مصر من انهيار النظام السياسي وفقدان الدولة لهيبتها، مما أدى إلى تسرب عناصر أجنبية إلى الداخل وانشغال الدولة بمحاربتهم عن متابعة ما يحدث في البلاد، فانهار الاقتصاد المصري وانتشرت المجاعات، ثم يستذكر إيبور الماضى حين كانت مصر دولة قوية وعادلة يحكمها ملوك عظماء، وكانت هذه إشارة إلى الملك الحالي بأن ضعفه هو سبب هذه الفوضى. وينتقل إلى التنبؤ بالمستقبل المثالي حين يأتي الحاكم القوي العادل الذي سينجح في إخماد الثورة وإنهاء الصراع الطبقي وإعادة الاستقرار والعدالة، وفي هذا الخطاب دليل على التقارب الاجتماعي بين الشعب والحكام، فقد أنصت الملك لإيبور وترك له حرية الحديث، وهذا الموقف لم يكن استثناءً بل ظهر في نصوص مصرية عديدة.
أما “نبوءات الحكيم نفروهو” فيقال إنه ألقاها على مسامع “الملك سِنِفْرو” وتنبأ فيها بقدوم الحاكم الأمثل “أمْنِمْحات الأول”، وتبدأ النبوءة بوصف الخراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ظل غياب الحاكم القوي وانهيار الدولة المركزية واحتلال الآسيويين لمصر، حتى اقتتل الناس في ما بينهم بسبب المجاعة، ثم يقدم نفروهو تنبؤاته بشأن المستقبل وهي أن الدولة المثالية ستتحقق على يد حاكم قوي وعادل، ذي سلطة سياسية مهيبة تعيد الوحدة للبلاد وتطرد الأجانب وتحقق الاستقرار والعدالة ويعم الرخاء الاقتصادي.
الفكرة من كتاب الخطاب السياسي في مصر القديمة
هذا الكتاب عبارة عن قراءة تحليلية لبعض النصوص التي توضح ملامح الفلسفة السياسية في مصر القديمة، فمصر أول من وضع دعائم الفكر السياسي وما ارتكز عليه من مبادئ كالعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وأول من سطّر مفهوم الدولة المركزية والفصل بين السلطات.
لقد أظهرت الخطابات السياسية المحفوظة إلى أي مدى بلغ النضج السياسي للمصريين القدماء درجة غير مسبوقة، وكيف كان الاحترام متبادلًا بين الحكام والشعب حتى في الفترات السياسية المضطربة. هذه الفلسفة الراقية التي لم يعرفها العالم سوى في العصر الحديث استطاع المصريون القدماء تطبيقها منذ آلاف السنين.
مؤلف كتاب الخطاب السياسي في مصر القديمة
مصطفى النشار: أحد أهم المفكرين والفلاسفة المصريين المعاصرين، ولد عام ١٩٥٣م بالقاهرة، حصل على الدكتوراه في الفلسفة بجامعة القاهرة، عمل عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم عميدًا لكلية العلوم الاجتماعية بجامعة ٦ أكتوبر، نجح في تطوير البرامج التعليمية في العديد من الكليات والجامعات المصرية، وحصل على عدة جوائز علمية، منها الجائزة التقديرية لأفضل كتاب من مؤسسة الأهرام عام ٢٠٠٦م. له أكثر من خمسين مؤلفًا في الفلسفة، خصوصًا الفلسفة اليونانية والفكر المصري القديم، منها:
نظرية المعرفة عند أرسطو.
فلاسفة أيقظوا العالم.
ثقافة التقدم وتحديث مصر.