خرافات الترجمة
خرافات الترجمة
على ماذا يقوم السر؟ يقوم السر على تعظيم الإنسان وتمجيده، ليس بمجرد الدعوة إلى الثقة بالنفس أو تقدير الذات، الأمر تجاوز هذا كله، بل هي دعوة إلى تمجيد النفس وتعظيمها لدرجة إقناعها بأنها تملك التأثير ليس فقط في حياتها، بل وتملك التأثير أيضًا في الكون، فهي القوة المطلقة، وهي العقل المدبر لأنها ببساطة متحدة مع الإله، أو هي الإله بذاتها!
نعم، يبدو الكلام منفرًا لك لأول وهلة، وربما تكون قد قرأت الكتاب ولم تنتبه لتمرير هذه الفكرة بين ثناياه، والسبب في ذلك هو الترجمة، لقد حاولت الترجمة أن تخفي أو تلفق هذه الأفكار بشكل يتناسب مع الثقافة العربية والإسلامية، فجاءت محرفة لمعاني الكتاب وأفكاره، وظهر ذلك واضحًا جليًّا لمن قرأ الكتاب بنسختيه العربية والإنجليزية، وهاك عزيزي القارئ بعضًا من تلك العبارات التي تمت ترجمتها خارج السياق، وبعيدًا عن المعنى المُراد:
تقول الكاتبة مثلًا: “you are a creator, and there is an easy process to create using the law of attraction” والمعنى: إنك خالق، وثمة عملية سهلة للخلق باستعمال قانون الجذب، فتأتي الترجمة لتقول: إنك مبدع، وثمة عملية سهلة للابتكار والإبداع باستخدام قانون الجذب.
مثال آخر: تقول الكاتبة: “you are god in a physical body” والمعنى: إنك الله في جسد مادي، لتأتي الترجمة فتقول: أنت قبس من روح الله!
وأيضًا تقول الكاتبة: “so we are the creators, not only of our own destiny, but ultimately we are the creators of universal destiny” والمعنى: “إذًا نحن الخالقون ليس لقدرنا فحسب، بل نحن الخالقون لقدر الكون” وتكون الترجمة: “إذًا نحن نستطيع تشكيل حياتنا وتغييرها، وليس فقط حياتنا، وإنما يمكننا تغيير شكل الكون كله”.
والكتاب مليء بمثل تشوهات الترجمة هذه.
الفكرة من كتاب خرافة السر
أطل علينا قبل عدة سنوات كتاب صُدر إلينا من الغرب المادي، كتاب يدعي أنه يمكنك أن تحقق وتحصل على كل ما تريد فقط من خلال إعمال عالم الأفكار، وظهر لنا بفكرة يحسبها جديدة وهي في الأصل قديمة، ألا وهي فكرة قانون الجذب، القانون الذي يعمل دائمًا، القانون الذي يضمن لك كل خير أو شر بحسب أفكارك أنت، فهو لا يدعو إلى التفاؤل أو الإيجابية المحفزة على العمل كما حسبه الكثيرون السذج من القراء العرب، وإنما يقرر صراحة أن كل شيء حصل لك فهو بسببك، بسبب جذبك له، ومن ثم تستطيع الحصول على ما تريد وتجنب ما لا تريد من خلالك أنت، فأنت أقوى مغناطيس في الكون، وتستطيع أن تتحكم في مادياته!
كلام متهافت كهذا، كيف رُوِّج للعامة؟
بالطبع من خلال الإعلانات، ومن خلال “الأكثر مبيعًا في العالم”، ولأنه يتحدث بلغة سهلة مبسطة عن تسهيل الحياة وتحقيق الأماني وهو الكلام المحبب إلى كثير من الناس، وأيضًا تم الترويج له على أنه من تلك الكتب التي تعزز الثقة بالنفس، وتكسر الحواجز النفسية المانعة من تحقيق الأهداف واستثمار المواهب.
وحتى لا نقع في ما وقع فيه الكثير من القراء الشباب، تعال نلقي نظرة حول هذا النقد لذلك السر الذي لم يكن سرًّا!
مؤلف كتاب خرافة السر
عبدالله العجيري: باحثٌ ومُفكِّر ومهندِس سعودي، حاصل على بكالوريوس أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وبكالوريوس هندسة الحاسب الآلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، كما حصل على درجة الماجستير عن رسالة بعنوان: برهان الإتقان على وجود الله ودفع شبهات المخالفين عنه، في جامعة الملك فيصل، يعمل حاليًّا مديراً لمركز تكوين للدراسات والأبحاث، مهتم بمنهج الفقه الإسلامي وبالمذاهب العقدية والفكرية، له العديد من المؤلفات والأبحاث والمقالات المنشورة، وله عدد من الكتب المطبوعة، مُحِب للقراءة منذ الصغر، وكانت بدايته مع الثقافة الجادة مع كتاب «صور من حياة الصحابة» للشيخ عبد الرحمن رأفت الباشا.
من مؤلفاته:
شموع النهار.
زخرف القول.
ميليشيا الإلحاد.